جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ} (116)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمّآ أَلْقُوْاْ سَحَرُوَاْ أَعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } . .

يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة : ألْقُوا ما أنتم ملقون ، فألقت السحرة ما معهم . فَلَمّا ألْقَوْا ذلك سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ خيلوا إلى أعين الناس بما أحدثوا من التخييل والخدع أنها تسعى . وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول : واسترهبوا الناس بما سحروا في أعينهم ، حتى خافوا من العصيّ والحبال ، ظنا منهم أنها حيات . وَجاءُوا كما قاله الله بِسِحْرٍ عَظِيمٍ : بتخييل عظيم كثير ، من التخييل والخداع .

وذلك كالذي : حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال لهم موسى : ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم ، وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ، ليس منهم رجل إلا معه حبل وعصا . فَلَمّا ألْقَوْا سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول : فَرّقوهم فأوجس في نفسه خيفة موسى .

حدثني عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ألقوا حبالاً غلاظا وخشبا طوالاً ، قال : فأقبلت تخيل إليه من سحرهم أنها تسعى .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : صفّ خمسة عشر ألف ساحر ، مع كلّ ساحر حباله وعصيه ، وخرج موسى معه أخوه يتكىء على عصاه حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه مع أشراف مملكته ، ثم قالت السحرة : يا مُوسَى إمّا أنْ تُلْقِيَ وَإمّا أنْ نكونَ أوّلَ منْ ألقى قَالَ بَلْ ألْقُوا فإذا حِبَالُهُمْ وعِصِيّهُمْ فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ، ثم أبصار الناس بعد ، ثم ألقى كلّ رجل منهم ما في يده من العصيّ والحبال ، فإذا هي حيات كأمثال الحبال ، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا . فأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى وقال : والله إن كانت لعصيّا في أيديهم ، ولقد عادت حيات ، وما تعدو هذا أو كما حدّث نفسه .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، قال : حدثنا القاسم بن أبي بزّة ، قال : جمع فرعون سبعين ألف ساحر ، وألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا ، حتى جعل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ} (116)

{ قال بل ألقوا } كرما وتسامحا ، أو ازدراء بهم ووثوقا على شأنه . { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه . { واسترهبوهم } وأرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم طلبوا رهبتهم . { وجاءوا بسحر عظيم } في فنه . روي أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات ملأت الوادي ، وركب بعضها بعضا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ} (116)

وقوله تعالى : { سحروا أعين الناس } نص في أن لهم فعلاً ما زائداً على ما يحدثونه من التزييف والآثار في العصا وسائر الأجسام التي يصرفون فيها صناعتهم { واسترهبوهم } بمعنى أرهبوهم أي فزعوهم فكأن فعلهم اقتضى واستدعى الرهبة من الناس ، ووصف الله سحرهم بالعظم ، ومعنى ذلك من كثرته ، وروي أنهم جلبوا ثلاثمائة وستين بعيراً موقرة بالحبال والعصي فلما ألقوها تحركت وملأت الوادي يركب بعضها بعضاً ، فاستهول الناس ذلك واسترهبوهم ، قال الزجاج : قيل إنهم جعلوا فيها الزئبق فكانت لا تستقر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ} (116)

قوله { فلما ألقوا } عطف على محذوف للإيجاز ، والتقدير : فألْقَوا . لأن قوله : { فلما ألقوا } يؤذن بهذا المحذوف ، وحذف مفعول { ألقَوا } لظهوره ، أي : ألقوا آلات سحرهم .

ومعنى { سحروا أعين الناس } : جعلوها متأثرة بالسحر بما ألقَوا من التخييلات والشعوذة .

وتعدية فعل { سحروا } إلى { أعين } مجاز عقلي لأن الأعين آلة إيصال التخييلات إلى الإدراك ، وهم إنما سحروا العقول ، ولذلك لو قيل : سحروا الناسَ لأفاد ذلك ، ولكن تفوت نكتة التنبيه على أن السحر إنما هو تخيلات مرئية ، ومثل هذه الزيادة زيادة الأعين في قول الأعشى :

كذَلكَ فافْعَلْ ما حيَيتَ إذا شَتَوْا *** وَأقْدِم إذَا مَا أعْيُنُ النّاس تَفرقَ

أي إذا ما الناس تفرَق فَرَقا يحصل من رؤية الأخطار المخيفة .

والاسترهاب : طلب الرهب أي الخَوْف . وذلك أنهم عززوا تخيلات السحر بأمور أخرى تثير خوف الناظرين ، لتزداد تمكن التخيلات من قلوبهم ، وتلك الأمور أقوال وأفعال توهم أن سيقع شيء مُخيف كأن يقولوا للناس : خُذوا حذركم وحاذروا ، ولا تقتربوا ، وسيقع شيء عظيم ، وسيحضر كبير السحرة ، ونحو ذلك من التمويهات ، والخزعبلات ، والصياح ، والتعجيب .

ولك أن تجعل السين والتاء في { واسترهبوهم } للتأكيد ، أي : أرهبوهم رهَبا شديداً ، كما يقال استكبر واستجاب .

وقد بينت في تفسير قوله تعالى : { يعلّمون الناس السحر } من سورة البقرة ( 102 ) أن مبنى السحر على التخييل والتخويف .

ووصف السحر بالعظيم لأنه من أعظم ما يفعله السحرة إذ كان مجموعاً مما تفرق بين سحرة المملكة من الخصائص المستورة بالتوهيم الخفية أسبابها عن العامة .