القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء المشركين يا محمد تكذيبك ، ولكن بهم التكذيب بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بعِلْمِهِ مما أنزل الله عليك في هذا القرآن من وعيدهم على كفرهم بربهم ، وَلمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يقول : ولما يأتهم بعد بيان ما يئول إليه ذلك الوعيد الذي توعدهم الله في هذا القرآن . كذلكَ كَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول تعالى ذكره : كما كذّب هؤلاء المشركون يا محمد بوعيد الله ، كذلك كذّب الأمم التي خلت قبلهم بوعيد الله إياهم على تكذيبهم رسلهم وكفرهم بربهم . فانْظُرُ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فانظر يا محمد كيف كان عقبىَ كفر من كفر بالله ، ألم نهلك بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالغرق ؟ يقول : فإن عاقبة هؤلاء الذي يكذّبونك ويجحدون بآياتي من كفار قومك ، كالتي كانت عاقبة من قبلهم من كفرة الأمم ، إن لم ينيبوا من كفرهم ويسارعوا إلى التوبة .
{ بل كذّبوا } بل سارعوا إلى التكذيب . { بما لم يحيطوا بعلمه } بالقرآن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه ، أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علما من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم . { ولما يأتهم تأويله } ولم يقفوا بعد على تأويله ولم تبلغ أذهانهم معانيه ، أو ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب ، والمعنى أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى ثم إنهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ويتفحصوا معناه ومعنى التوقع في لما أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرر عليهم التحدي فزادوا قواهم في معارضته فتضاءلت دونها ، أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقا لإخباره مرارا فلم يقلعوا عن التكذيب تمردا وعنادا . { كذلك كذّب الذين من قبلهم } أنبياءهم . { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم .
المعنى : ليس الأمر كما قالوا في أنه مفترى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } ، وهذا اللفظ يحتمل معنيين : أحدهما أن يريد بها الوعيد الذي توعدهم الله عز وجل على الكفر ، وتأويله على هذا يراد به ما يؤول إليه أمره كما هو في قوله { هل ينظرون إلا تأويله }{[6119]} ، والآية بجملتها على هذا التأويل تتضمن وعيداً ، والمعنى الثاني أنه أراد بل كذبوا بهذا القرآن العظيم المنبىء بالغيوب الذي لم تتقدم لهم به معرفة ولا أحاطوا بعلم غيوبه وحسن نظمه ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه ، و { الذين من قبلهم } يريد من سلف من أمم الأنبياء ، قال الزجّاج { كيف } في موضع نصب على خبر { كان } ولا يجوز أن يعمل فيها «انظر »{[6120]} لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه .
قال القاضي أبو محمد : هذا قانون النحويين لأنهم عاملوا «كيف » في كل مكان معاملة الاستفهام المحض في قولك : كيف زيد ول «كيف » تصرفات غير هذا ، وتحل محل المصدر الذي هو كيفية وتخلع معنى الاستفهام ، ويحتمل هذا أن يكون منها ومن تصرفاتها قولهم : كن كيف شئت ، وانظر قول البخاري : كيف كان بدء الوحي فإنه لم يستفهم{[6121]} . وذكر الفعل المسند إلى «العاقبة » لما كانت بمعنى المآل ونحوه وليس تأنيثها بحقيقي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.