{ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ اتّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ }
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأ بعضهم : وَاعَدْنا بمعنى أن الله تعالى واعد موسى ملاقاة الطور لمناجاته ، فكانت المواعدة من الله لموسى ، ومن موسى لربه . وكان من حجتهم على اختيارهم قراءة وَاعَدْنا على «وعدنا » أن قالوا : كل إيعاد كان بين اثنين للالتقاء أو الاجتماع ، فكل واحد منهما مواعد صاحبه ذلك ، فلذلك زعموا أنه وجب أن يقضي لقراءة من قرأ : واعدنا بالاختيار على قراءة من قرأ «وعدنا » .
وقرأ بعضهم : «وعَدْنا » بمعنى أن الله الواعد موسى ، والمنفرد بالوعد دونه . وكان من حجتهم في اختيارهم ذلك ، أن قالوا : إنما تكون المواعدة بين البشر ، فأما الله جل ثناؤه فإنه المنفرد بالوعد والوعيد في كل خير وشرّ . قالوا : وبذلك جاء التنزيل في القرآن كله ، فقال جل ثناؤه : إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقّ وقال : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنها لَكُمْ قالوا : فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله : «وإذْ وَعَدْنا مُوسَى » .
والصواب عندنا في ذلك من القول ، أنهما قراءتان قد جاءت بهما الأمة وقرأت بهما القراء ، وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى ، وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة . فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان ، وذلك أن من أخبر عن شخص أنه وعد غيره اللقاء بموضع من المواضع ، فمعلوم أن الموعود ذلك واعد صاحبه من لقائه بذلك المكان ، مثل الذي وعده من ذلك صاحبه إذا كان وعده ما وعده إياه من ذلك عن اتفاق منهما عليه . ومعلوم أن موسى صلوات الله عليه لم يَعِدْه ربه الطور إلا عن رضا موسى بذلك ، إذ كان موسى غير مشكوك فيه أنه كان بكل ما أمر الله به راضيا ، وإلى محبته فيه مسارعا . ومعقول أن الله تعالى لم يعد موسى ذلك إلا وموسى إليه مستجيب . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الله عزّ ذكره قد كان وعد موسى الطور ، ووعده موسى اللقاء ، وكان الله عزّ ذكره لموسى واعدا ومواعدا له المناجاة على الطور ، وكان موسى واعدا لربه مواعدا له اللقاء . فبأيّ القراءتين من «وعد » و«واعد » قرأ القارىء ، فهو الحقّ في ذلك من جهة التأويل واللغة ، مصيب لما وصفنا من العلل قبل .
ولا معنى لقول القائل : إنما تكون المواعدة بين البشر ، وأن الله بالوعد والوعيد منفرد في كل خير وشرّ وذلك أن انفراد الله بالوعد والوعيد في الثواب والعقاب والخير والشرّ والنفع والضرّ الذي هو بيده وإليه دون سائر خلقه ، لا يحيل الكلام الجاري بين الناس في استعمالهم إياه عن وجوهه ولا يغيره عن معانيه . والجاري بين الناس من الكلام المفهوم ما وصفنا من أن كل إيعاد كان بين اثنين فهو وعد من كل واحد منهما صاحبه ومواعدة بينهما ، وأن كل واحد منهما واعد صاحبه مواعد ، وأن الوعد الذي يكون به الإنفراد من الواعد دون الموعود إنما هو ما كان بمعنى الوعد الذي هو خلاف الوعيد .
القول في تأويل قوله تعالى : مُوسَى .
وموسى فيما بلغنا بالقبطية كلمتان ، يعني بهما : ماء وشجر ، فمو : هو الماء ، وسا : هو الشجر . وإنما سُمي بذلك فيما بلغنا ، لأن أمه لما جعلته في التابوت حين خافت عليه من فرعون وألقته في اليم كما أوحى الله إليها وقيل : إن اليم الذي ألقته فيه هو النيل دفعته أمواج اليم ، حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون ، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن ، فوجدن التابوت ، فأخذنه ، فسُمي باسم المكان الذي أصيب فيه . وكان ذلك المكان فيه ماء وشجر ، فقيل : موسى ماء وشجر : كذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، عن أسباط بن نصر ، عن السدي .
وهو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، فيما زعم ابن إسحاق .
حدثني بذلك ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل عنه .
القول في تأويل قوله تعالى : أرْبَعِينَ لَيْلَةً .
ومعنى ذلك وَإذْ وَاعَدْنا مُوسى أرْبَعِينَ لَيْلَةً بتمامها ، فالأربعون ليلة كلها داخلة في الميعاد .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معناه : وإذْ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة أي رأس الأربعين ، ومثل ذلك بقوله : واسألِ القَرْيَةَ وبقولهم اليوم أربعون منذ خرج فلان ، واليوم يومان ، أي اليوم تمام يومين وتمام أربعين . وذلك خلاف ما جاءت به الرواية عن أهل التأويل وخلاف ظاهر التلاوة ، فأما ظاهر التلاوة ، فإن الله جل ثناؤه قد أخبر أنه واعد موسى أربعين ليلة ، فليس لأحد إحالة ظاهر خبره إلى باطن بغير برهان دالّ على صحته . وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره ، وهو ما :
حدثني به المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قوله : وَإذْ وَاعَدْنا مُوسَى أرْبَعِينَ لَيْلَةً قالَ : يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة . وذلك حين خلف موسى أصحابه ، واستخلف عليهم هارون ، فمكث على الطور أربعين ليلة ، وأنزل عليه التوراة في الألواح ، وكانت الألواح من زبرجد . فقرّبه الربّ إليه نجيّا ، وكلمه ، وسمع صريف القلم . وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور .
وحدثت عن عمار بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، قال : وعد الله موسى حين أهلك فرعون وقومه ، ونجاه وقومه ثلاثين ليلة ، ثم أتمها بعشر ، فتمّ ميقات ربه أربعين ليلة ، تلقاه ربه فيها بما شاء . واستخلف موسى هارون على بني إسرائيل ، وقال : إني متعجل إلى ربي فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين فخرج موسى إلى ربه متعجلاً للقائه شوقا إليه ، وأقام هارون في بني إسرائيل ومعه السامريّ يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي ، قال : انطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها الله بعشر .
القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ اتّخَذْتُمُ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأنْتُمْ ظالِمُونَ .
وتأويل قوله : ثُمّ اتّخَذْتُمُ العجْلَ منْ بَعْدِهِ ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد . والهاء في قوله «من بعده » عائدة على ذكر موسى . فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل المكذّبين به المخاطبين بهذه الآية ، عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم ، مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم ، معرّفهم بذلك أنهم من خلافهم محمدا صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته ، مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم ، ومحذّرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذّبين بالرسل من المسخ واللعن وأنواع النقمات .
حدثني به عبد الكريم بن الهيثم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان ، فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق ، فلما رآها الحصان تقحّم خلفها . قال : وعرف السامريّ جبريل لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه ، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه ، فيجد في بعض أصابعه لبنا ، وفي الأخرى عسلاً ، وفي الأخرى سمنا . فلم يزل يغذوه حتى نشأ ، فلما عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه . قال : أخذ من تحت الحافر قبضة .
قال سفيان : فكان ابن مسعود يقرؤها : «فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول » . قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عباس : وألقي في رُوع السامري أنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا وكذا إلا كان . فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر . فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر ، وأغرق الله آل فرعون ، قال موسى لأخيه هارون : اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأصْلِحْ ومضى موسى لموعد ربه . قال : وكان مع بني إسرائيل حليّ من حليّ آل فرعون قد تعوّروه ، فكأنهم تأثموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله ، فلما جمعوه ، قال السامريّ بالقبضة التي كانت في يده هكذا ، فقذفها فيه وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا وقال : كن عجلاً جسدا له خوار فصار عجلاً جسدا له خوار . وكان يدخل الريح في دبره ويخرج من فيه يسمع له صوت ، فقال : هذا إلهكم وإله موسى . فعكفوا على العجل يعبدونه ، فقال هارون : يا قَوْمِ إنّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وإنّ رَبّكُمْ الرّحْمَنُ فاتّبِعُونِي وأطِيعُوا أمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عاكِفينَ حتى يَرْجَعَ إلَيْنَا مُوسَى .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل يعني من أرض مصر أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا وأمرهم أن يستعيروا الحليّ من القبط . فلما نجّى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر ، وغرق آل فرعون ، أتى جبريل إلى موسى يذهب به إلى الله ، فأقبل على فرس فرآه السامري ، فأنكره ، وقال : إنه فرس الحياة . فقال حين رآه : إن لهذا لشأنا . فأخذ من تربة الحافر حافر الفرس . فانطلق موسى ، واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة ، وأتمها الله بعشر . فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل إن الغنيمة لا تحل لكم ، وإن حليّ القبط إنما هو غنيمة ، فاجمعوها جميعا ، واحفروا لها حفرة فادفنوها ، فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها ، وإلا كان شيئا لم تأكلوه . فجمعوا ذلك الحليّ في تلك الحفرة ، وجاء السامريّ بتلك القبضة ، فقذفها ، فأخرج الله من الحليّ عجلاً جسدا له خوار . وعدّت بنو إسرائيل موعد موسى ، فعدّوا الليلة يوما واليوم يوما ، فلما كان تمام العشرين خرج لهم العجل فلما رأوه قال لهم السامري : هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ يقول : ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه . فعكفوا عليه يعبدونه . وكان يخور ويمشي ، فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل إنّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ يقول : إنما ابتليتم به يقول : بالعجل وإن ربكم الرحمن . فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم . وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه ، فلما كلمه قال له : وما أعجلَكَ عَنْ قَوْمكَ يا موسَى قالَ هُمْ أُولاءِ على أثَرِي وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبي لِتَرْضَى قال فإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ منْ بَعْدِكَ وأضَلّهُمُ السّامِري فأخبره خبرهم . قال موسى : يا ربّ هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل ، أرأيت الروح من نفخها فيه ؟ قال الرب : أنا . قال : ربّ أنت إذا أضللتهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، قال : كان فيما ذكر لي أن موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عزّ وجلّ به : استعيروا منهم يعني من آل فرعون الأمتعة والحليّ والثياب ، فإني منفلكم أموالهم مع هلاكهم . فلما أذن فرعون في الناس ، كان مما يحرّض به على بني إسرائيل أن قال : حين سار ولم يرضوا أن يخرجوا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالكم معهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان السامري رجلاً من أهل باجَرْما ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان حبّ عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل . فلما فضل هارون في بني إسرائيل وفصل موسى إلى ربه ، قال لهم هارون : أنتم قد حملتم أوزارا من زينة القوم آل فرعون وأمتعة وحليّا ، فتطهروا منها ، فإنها نجس . وأوقد لهم نارا ، فقال : اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها قالوا : نعم . فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة وذلك الحليّ ، فيقذفون به فيها ، حتى إذا تكسر الحليّ فيها ورأى السامريّ أثر فرس جبريل أخذ ترابا من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار فقال لهارون : يا نبيّ الله ألقي ما في يدي ؟ قال : نعم . ولا يظنّ هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحليّ والأمتعة . فقذفه فيها فقال : كن عجلاً جسدا له خوار فكان للبلاء والفتنة ، فقال : هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فعكفوا عليه ، وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط . يقول الله عز وجل : فَنَسِيَ أي ترك ما كان عليه من الإسلام ، يعني السامري ، أفَلا يَرَوْنَ أنْ لا يَرْجعُ إلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّا وَلا نَفْعا وكان اسم السامري موسى بن ظفر ، وقع في أرض مصر ، فدخل في بني إسرائيل . فلما رأى هارون ما وقعوا فيه : قالَ يا قَوْمِ إنّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإنّ رَبّكُمُ الرّحْمَنُ فاتّبِعُونِي وأطِيعُوا أمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إلَيْنَا مُوسَى فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل . وتخوّف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى : فَرّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي وكان له هائبا مطيعا .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل من فرعون ، وأغرق فرعون ومن معه ، قال موسى لأخيه هارون : اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأصْلِحْ وَلا تَتّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ قال : لما خرج موسى وأمر هارون بما أمره به ، وخرج موسى متعجلاً مسرورا إلى الله . قد عرف موسى أن المرء إذا نجح في حاجة سيده كان يسرّه أن يتعجل إليه . قال : وكان حين خرجوا استعاروا حليا وثيابا من آل فرعون ، فقال لهم هارون : إن هذه الثياب والحليّ لا تحلّ لكم ، فاجمعوا نارا ، فألقوه فيها فأحرقوه قال : فجمعوا نارا . قال : وكان السامري قد نظر إلى أثر دابة جبريل ، وكان جبريل على فرس أنثى ، وكان السامري في قوم موسى . قال : فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة ، فيبست عليها يده فلما ألقى قوم موسى الحليّ في النار ، وألقى السامري معهم القبضة ، صوّر الله جل وعز ذلك لهم عجلاً ذهبا ، فدخلته الريح ، فكان له خوارٌ ، فقالوا : ما هذا ؟ فقال : السامري الخبيث : هذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ . . . الآية ، إلى قوله : حتى يَرْجِعَ إلَيْنَا مُوسَى قال : حتى إذا أتى موسى الموعد ، قال الله : ما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسَى قالَ هُمْ أُولاَءِ على أثَرِي فقرأ حتى بلغ : أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ .
حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : ثمّ اتّخَذْتُمْ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ قال : العجل حَسِيل البقرة . قال : حليّ استعاروه من آل فرعون ، فقال لهم هارون : أخرجوه فتطهروا منه وأحرقوه وكان السامري قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل ، فطرحه فيه فانسبك ، وكان له كالجوف تهوي فيه الرياح .
حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إنما سمي العجل ، لأنهم عَجِلُوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى .
حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحو حديث القاسم ، عن الحسن .
حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
وتأويل قوله وأنْتُمْ ظالِمُونَ يعني وأنتم واضعو العبادة في غير موضعها لأن العبادة لا تنبغي إلا لله عز وجل وعبدتم أنتم العجل ظلما منكم ووضعا للعبادة في غير موضعها . وقد دللنا في غير هذا الموضع مما مضى من كتابنا أن أصل كل ظلم وضع الشيء في غير موضعه ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
{ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } لما عادوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وعدا لله موسى أن يعطيه التوراة ، وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة وعبر عنها بالليالي لأنها غرر الشهور . وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي { واعدنا } لأنه تعالى وعده الوحي . ووعده موسى عليه السلام المجيء للميقات إلى الطور .
{ ثم اتخذتم العجل } إلها أو معبودا .