القول في تأويل قوله تعالى : { لّوْلآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هََذَآ إِفْكٌ مّبِينٌ } .
وهذا عتاب من الله تعالى ذِكْره أهلَ الإيمان به فيما وقع في أنفسهم من إرجافِ من أرْجَفَ في أمر عائشة بما أرجف به . يقول لهم تعالى ذكره : هلا أيها الناس إذ سمعتم ما قال أهل الإفك في عائشة ظنّ المؤمنون منكم والمؤمنات بأنفسهم خيرا يقول : ظننتم بمن قُرِف بذلك منكم خيرا ، ولم تظنوا به أنه أتى الفاحشة . وقال «بأنفسهم » لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة ، لأنهم أهل ملة واحدة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن بعض رجال بني النجار ، أن أبا أيوب خالد بن زيد ، قالت له امرأته أمّ أيوب : أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال : بلى ، وذلك الكذب ، أكنت فاعلة ذلك يا أمّ أيوب ؟ قالت : لا والله ما كنت لأفعله . قال : فعائشة والله خير منك . قال : فلما نزل القرآن ، ذكر الله من قال في الفاحشة ما قال من أهل الإفك : إنّ الّذِينَ جاءُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ وذلك حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا ، ثم قال : لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ المُؤْمِنُونَ . . . الآية : أي كما قال أبو أيوب وصاحبته .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهِمْ خَيْرا ما هذا الخير ؟ ظنّ المؤمن أن المؤمن لم يكن ليفجر بأمه ، وأن الأم لم تكن لتفجر بابنها ، إن أراد أن يفجر فجر بغير أمه . يقول : إنما كانت عائشة أمّا ، والمؤمنون بنون لها ، محرّما عليها ، وقرأ : لَوْلا جاءُوا عَلَيْهِ بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ . . . الآية .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ظَنّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهِمْ خَيْرا قال لهم خيرا ، ألا ترى أنه يقول : لا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ يقول : بعضكم بعضا ، وسلموا على أنفسكم ، قال : يسلم بعضكم على بعض .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هَوْذة ، قال : حدثنا عوف عن الحسن ، في قوله : لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهِمْ خَيْرا يعني بذلك المؤمنين والمؤمنات .
وقوله : وَقالُوا هَذَا إفْكٌ مُبِينٌ يقول : وقال المؤمنون والمؤمنات : هذا الذي سمعناه من القول الذي رُمِيَ به عائشة من الفاحشة : كذب وإثم ، يبين لمن عقل وفكر فيه أنه كذب وإثم وبهتان . كما :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : أخبرنا عوف عن الحسن : وَقالُوا هَذَا إفْكٌ مُبِينٌ قالوا : إن هذا لا ينبغي أن يتكلم به إلا من أقام عليه أربعة من الشهود وأقيم عليه حدّ الزنا .
{ لولا } هلا . { إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى : { ولا تلمزوا أنفسكم } . وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغ في التوبيخ وإشعارا بأن الإيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذوبهم عن أنفسهم . وإنما جاز الفصل بين { لولا } وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه مالا يتسع في غيره ، وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله . { وقالوا هذا إفك مبين } كما يقول المستقين المطلع على الحال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.