جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرّيحَ غُدُوّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السّعِيرِ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلِسُلَيْمانَ الرّيحَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار وَلِسُلَيْمانَ الرّيحَ بنصب الريح ، بمعنى : ولقد آتينا داود منا فضلاً ، وسخرنا لسليمان الريحَ . وقرأ ذلك عاصم : «وَلِسُلَيْمانَ الرّيحُ » رفعا بحرف الصفة ، إذ لم يظهر الناصب .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا النصب لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

وقوله : غُدُوّها شَهْرٌ يقول تعالى ذكره : وسخرنا لسليمان الريح ، غدوّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر ، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلِسُلَيْمانَ الرّيحَ غُدُوّها شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ قال : تغدو مسيرة شهر ، وتروح مسيرة شهر ، قال : مسيرة شهرين في يوم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه : وَلِسُلَيْمانَ الرّيحَ غُدُوّها شَهْرٌ وَرَوَاحُها شَهْرٌ قال : ذكر لي أن منزلاً بناحية دجلة مكتوب فيه كتاب كتبه بعض صحابة سليمان ، إما من الجنّ ، وإما من الإنس : نحن نزلناه وما بنيناه ، ومبنيا وجدناه ، غدونا من إصطخر فقِلناه ، ونحن رائحون منه إن شاء الله فبائتون بالشام .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلِسُلَيْمانَ الرّيحَ غُدُوّها شَهْرٌ وَرَوَاحُها شَهْرٌ قال : كان له مركب من خشب ، وكان فيه ألف ركن ، في كل ركن ألف بيت تركب فيه الجنّ والإنس ، تحت كل ركن ألف شيطان ، يرفعون ذلك المركب هم والعصار فإذا ارتفع أتت الريح رُخَاء ، فسارت به ، وساروا معه ، يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ، ويمسي عند قوم بينه وبينهم شهر ، ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش والجنود .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن ، في قوله غُدُوّها شَهْرٌ وَرَوَاحُها شَهْرٌ قال : كان يغدو فيقيل في إصطخر ، ثم يروح منها ، فيكون رواحها بكابل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن بمثله .

وقوله : وأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ يقول : وأذبنا له عين النحاس ، وأجريناها له . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ عين النحاس ، كانت بأرض اليمن ، وإنما ينتفع اليوم بما أخرج الله لسليمان .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ قال : الصّفر سال كما يسيل الماء ، يعمل به كما كان يعمل العجين في اللين .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ يقول : النحاس .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ يعني : عين النحاس أسيلت .

وقوله : وَمِنَ الجِنّ مَنْ يَعْمَلُ بَينَ يَدَيْهِ بإذْنِ رَبّهِ يقول تعالى ذكره : ومن الجنّ من يطيعه ، ويأتمر بأمره ، وينتهي لنهيه ، فيعمل بين يديه ما يأمره طاعة له بإذن ربه يقول : بأمر الله بذلك ، وتسخيره إياه له وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أمْرِنا يقول : ومن يزُل ويعدل من الجنّ عن أمرنا الذي أمرناه من طاعة سليمان نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السّعِيرِ فِي الاَخرة ، وذلك عذاب نار جهنم الموقدة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أمْرِنا أي يعدل منهم عن أمرنا عما أمره به سليمان نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السّعِيرِ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (12)

{ ولسليمان الريح } أي وسخرنا له الريح ، وقرئ { الريح } بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرئ " الرياح " { غدوها شهر ورواحها شهر } جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك ، وقرئ " غدوتها " " وروحتها " . { وأسلنا له عين القطر } النحاس المذاب أساله من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ، ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن . { ومن الجن من يعمل بين يديه } عطف على { الريح } { ومن الجن } حال مقدمة ، أو جملة { من } مبتدأ وخبر . { بإذن ربه } بأمره . { ومن يزغ منهم } ومن يعدل منهم . { عن أمرنا } عما أمرناه من طاعة سليمان ، وقرئ { يزغ } من أزاغه . { نذقه من عذاب السعير } عذاب الآخرة .