جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هََذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : فَوَسْوَسَ لَهُما فوسوس إليهما ، وتلك الوسوسة كانت قوله لهما : ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَة إلاّ أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أو تَكُونا مِنَ الخالِدِينَ وإقسامه لهما على ذلك . وقيل : «وسوس لهما » ، والمعنى ما ذكرت ، كما قيل : غَرِضْتُ له ، بمعنى : اشتقت إليه ، وإنما يعني : غَرضت من هؤلاء إليه ، فكذلك معنى ذلك : فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من من القيل لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوآتِهِما كما قال رؤبة :

***وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصا رَبّ الفَلَقْ ***

ومعنى الكلام : فجذب إبليس إلى آدم حوّاء ، وألقى إليهما : ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة إلا أن تكونا ملَكين ، أو تكونا من الخالدين ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما . فغطاه بستره الذي ستره عليهما . وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به ما :

حدثني به حوثرة بن محمد المنقري ، قال حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن ابن منبه ، في قوله : فَبَدَتْ لَهُما سَوآتُهُما قال : كان عليهما نور لا ترى سوآتهما .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقالَ ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونا مِنَ الخالِدِينَ .

يقول جلّ ثناؤه : وقال الشيطان لاَدم وزوجته حوّاء : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرها إلا لئلا تكونا ملكين . وأسقطت «لا » من الكلام لدلالة ما ظهر عليها ، كما أسقطت من قوله : يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلّوا والمعنى : يبين اللهلكم أن لا تضلوا . وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين ، كما يقال : إياك أن تفعل كراهية أن تفعل ، أو تكونا من الخالدين في الجنة الماكثين فيها أبدا فلا تموتا . والقراءة على فتح اللام بمعنى ملَكين من الملائكة . ورُوي عن ابن عباس ما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي حماد ، قال : حدثنا عيسى الأعمى ، عن السديّ ، قال : كان ابن عباس يقرأ : «إلاّ أنْ تَكُونا مَلِكَيْنِ » بكسر اللام . وعن يحيى بن أبي كثير ما :

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثني القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : حدثنا يعلى بن حكيم ، عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها : «ملكين » بكسر اللام .

وكأن ابن عباس ويحيى وجها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما : «ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونا مَلِكَيْنِ » من الملوك ، وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر : قالَ يا آدَمُ هَلْ أدُلّكَ على شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى .

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها ، القراءة التي عليها قرّاء الأمصار ، وهي فتح اللام من «مَلَكين » ، بمعنى : ملَكين من الملائكة لما قد تقدم من بياننا في أن كلّ ما كان مستفيضا في قرأة الإسلام من القراءة ، فهو الصواب الذي لا يجوز خلافه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

{ فوسوس لهما الشيطان } أي فعل الوسوسة لأجلهما ، وهي في الأصل الصوت الخفي كالهينمة والخشخشة ومنه وسوس الحلي . وقد سبق في سورة " البقرة " كيفية وسوسته . { ليُبدي لهما } ليظهر لهما ، واللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد أيضا بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما ، ولذلك عبر عنهما بالسوأة . وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع . { ما وُوري عنهما من سوآتهما } ما غطي عنهما من عوراتهما ، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر ، وإنما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور كما قلبت في أو يصل تصغير واصل لأن الثانية مدة وقرئ " سوآتهما " بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الواو وسوآتهما بقلبها واواً وإدغام الواو الساكنة فيها . { وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا } إلا كراهة أن تكونا . { ملكين أو تكونا من الخالدين } الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة ، واستدل به على فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وجوابه : أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب وإنما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما أيضا ما للملائكة من الكمالات الفطرية ، والاستغناء عن الأطعمة والأشربة ، وذلك لا يدل على فضلهم مطلقا .