جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدٗا} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبّكَ لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتبع يا محمد ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا ، ولا تتركنّ تلاوته ، واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه ، والعمل بحلاله وحرامه ، فتكون من الهالكين وذلك أن مصير من خالفه ، وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم لا مُبَدّلَ لكَلماتِهِ يقول : لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنزلها عليك أهل معاصيه ، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك .

وقوله : وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا يقول : وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحى إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتمّ به ، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده ، لن تجد من دون الله موئلاً تئل إليه ومعدلاً تعدل عنه إليه ، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه ، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به .

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : مُلْتَحَدا قال أهل التأويل ، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : مُلْتَحَدا قال : مَلْجَأ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مُلْتَحَدا قال : ملجأ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا قال : موئلاً .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : مُلْتَحَدا قال : ملجأ ولا موئلاً .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا قال : لا يجدون ملتحدا يلتحدونه ، ولا يجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعهم . والملتحد : إنما هو المفتعل من اللحد ، يقال منه : لحدت إلى كذا : إذا ملت إليه ومنه قيل للحد : لحد ، لأنه في ناحية من القبر ، وليس بالشقّ الذي في وسطه ، ومنه الإلحاد في الدين ، وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له .