تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدٗا} (27)

الآية27 : وقوله تعالى : { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك } يحتمل { كتاب ربك } اللوح المحفوظ ؛ أي بَلّغْ ما أوحي إليك من اللوح الذي عند الله من مَتْلُوٍّ كقوله : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } ( المائدة : 67 ) وهو جميع ما أنزل إليه من المَتْلُوٍّ . ويحتمل { من كتاب ربك } الكتاب الذي أنزل عليه ، وهو القرآن ؛ أي اتل عليهم ذلك الكتاب . فإن كان هذا ففيه أن القرآن مما يتقرب بتلاوته .

ثم في قوله : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } ( المائدة : 67 ) وقوله : { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك } فريضة ضَيَّعْنَاهَا . وذلك أنه أمر رسوله بتبليغ رسالته وما أنزل إليه . ثم معلوم أن من كان في أقصى الدنيا وأَبْعَدِ أطرافها لم يَقْدِرْ رسوله أن يتولى التبليغ بنفسه ، وكذلك بعد وفاته ، لا يجوز أنه يَتَوَلَّى تبليغه{[11537]} .

فكان ( القيام بتبليغ ذلك ){[11538]} يُلْزِمُ المسلمين وأئمتهم{[11539]} ، فضيعوا ذلك .

ولهذا ما رخص ، والله أعلم ، بدخول المسلمين دار الحرب للتجارة ودخول أولئك دار الإسلام للتجارة أيضا لينتهي إليهم خبر هذا الدين حيث عُلِمَ أنه يكون أئمة في آخر الزمان ، لا يهتمون لدينه ، ولا يتولون تبليغ ما أمروا به بتبليغه ، ويضيعون أمره ، فتلزمهم حجة الله . وإلا ما الحاجة في تلك التجارة والأموال التي يتجرون فيها ؟ ولكن ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لا مبدل لكلمته } قال بعضهم : لا مبدل لسنته ؛ إذ سنته في المكذبين الإهلاك ، ( وفي ){[11540]} المصدقين النجاة . وهذه سنته ، وإن أمكن تعجيلها وتأخيرها . فأما سُنَّتُهُ فهي لا تَبَدَّلًَ ، ولاَ تَحَوَّلَ ، كقوله : { ولن تجد لسنة الله تبديلا } ( الأحزاب : 62 ) ( وقوله ){[11541]} : { فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا } ( فاطر : 43 ) وقال الحسن في قوله : { لا مبدل لكلماته } ما وعد ، وأوعد لهم في الدنيا ، فذلك في الآخرة لا يُبَدِّلُ ولا يُحَوِّلُ ؛ إذ وعد للمؤمنين الجنة وللكافرين العذاب . فذلك لا يُبَدِّلُ .

وقال/317-أ/ بعضهم : { لا مبدل لكلماته } و هي القرآن ، لا يتبدل ، ولا يتغير ، ولا يُزاد ، ولا ينقص ، كقوله : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } ( فصلت : 42 ) .

وقال بعضهم : { لا مبدل لكلماته } لحججه وبراهينه التي جعل لدينه ، وأقام له . ذلك يلزم الإسلام ودينه إلا من قصر عليه في العبادة ، أو كان المقام عليه الحجة معاندا مكابرا . وأما من لم يكن ( فيه ){[11542]} هذان المعنيان يسلم ، لا محالة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولن تجد من دونه ملتحدا } هذا الخطاب ، وإن كان في الظاهر لرسول الله ، فهو يُخَرَّجَ مُخْرَجَ التنبيه على ما ذكرنا في غير آية من القرآن . وقوله تعالى : { ملتحدا } قال بعضهم : مُدخَلا ، ولذلك سمي اللحد لحدا لما يدخل فيه . وقال بعضهم : ملجأ ، والله أعلم .


[11537]:في الأصل و.م: بتبليغه.
[11538]:في الأصل و.م: ذلك القيام.
[11539]:أدرج بعدها في الأصل و م: بتبليغه.
[11540]:في الأصل و.م: و.
[11541]:ساقطة من الأصل و.م.
[11542]:ساقطة من الأصل و.م.