اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدٗا} (27)

قوله تعالى : { واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } الآية .

اعلم أن كفَّار قريش اجتمعوا ، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أردت أن نؤمن بك فاطرد هؤلاء الذين آمنوا بك ، فنهاهُ الله عن ذلك ، وبيّن في هذه الآيات أنَّ الذي اقترحوه والتمسوه مطلوب فاسد ، ثم إنه تعالى جعل الأصل في هذا الباب شيئاً واحداً ، وهو أن يواظب على تلاوة الكتاب الذي أوحاه الله إليه ، ولا يلتفت إلى اقتراح المقترحين وتعنتهم ، فقال : { واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ } أي التزم قراءة الكتاب الذي أوحي إليك والزم العمل به { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } أي : لا مغيِّر للقرآن ، وهذه آية تدل على أنه لا يجوز تخصيص النصِّ بالقياس ؛ لأن معنى الكلام : الزم العمل بمقتضى هذا الكتاب ، وذلك يقتضي وجوب العمل بمقتضى ظاهره .

فإن قيل : فيجب ألا يتطرَّق النسخ إليه أيضاً .

فالجواب : أن هذا مذهبُ أبي مسلم الأصفهاني ، وليس ببعيد ، وأيضاً فالنسخ في الحقيقة ليس بتبديلٍ ؛ لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ ، فالناسخ كالمغاير ، فكيف يكون تبديلاً ؟ ثم قال : { ولن تَجدِ مِنْ دُونهِ مُلتحداً } أي : ملجأ ، قال أهل اللغة : هو من لحد وألحد : إذا مال ، ومنه قوله

{ الذين يُلْحِدُونَ } [ فصلت : 40 ] والملحدُ : المائل عن الدِّين .

قال ابن عباس : حرزاً .

وقال الحسن : مدخلاً .

وقال مجاهد : ملجأ .

وقيل : ولن تجد من دونه ملتحداً في البيان والإرشاد .