جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (163)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

يعني تعالى ذكره بذلك : أن من اتبع رضوان الله ، ومن باء بسخط من الله مختلفو المنازل عند الله ، فلمن اتبع رضوان الله الكرامة والثواب الجزيل ، ولمن باء بسخط من الله المهانة والعقاب الأليم . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَاللّهُ بِصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } : أي لكل درجات مما عملوا في الجنة والنار ، إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ } يقول : بأعمالهم .

وقال آخرون : معنى ذلك لهم درجات عند الله ، يعني : لمن اتبع رضوان الله منازل عند الله كريمة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ } قال : هي كقوله لهم درجات عند الله .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ } يقول : لهم درجات عند الله .

وقيل قوله : { هُمْ دَرَجَاتٌ } كقول القائل : هم طبقات ، كما قال ابن هَرْمة :

إنْ حُمّ المَنُونُ يكُون قَوْمٌ *** لِرَيْبِ الدّهْرِ أمْ دَرَجَ السّيُول

وأما قوله : { وَاللّهُ بِصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } فإنه يعني : والله ذو علم بما يعمل أهل طاعته ومعصيته ، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء ، يحصي على الفريقين جميعا أعمالهم ، حتى توفى كل نفس منهم جزاء ما كسبت من خير وشرّ . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَاللّهُ بِصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } يقول : إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته .