البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (163)

{ هم درجات } قال ابن عباس والحسن : لكل درجات من الجنة والنار .

وقال أبو عبيدة : كقوله : هم طبقات .

وقال مجاهد وقتادة : أي ذوو درجات ، فإن بعض المؤمنين أفضل من بعض .

وقيل : يعود على الغال وتارك الغلول ، والدرجة : الرتبة .

وقال الرازي : تقديره لهم درجات .

قال بعض المصنفين رادّاً عليه : اتبع الرّازي في ذلك أكثر المفسرين بجهله وجهلهم بلسان العرب ، لأن حذف لام الجر هنا لا مساغ له ، لأنه إنما تحذف لام الجر في مواضع الضرورة ، أو لكثرة الاستعمال ، وهذا ليس من تلك المواضع .

على أن المعنى دون حذفها حسن متمكن جداً ، لأنه لما قال : أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ، وكأنه منتظر للجواب قيل له في الجواب : لا ، ليسوا سواء ، بل هم درجات .

{ عند الله } على حسب أعمالهم .

وهذا معنى صحيح لا يحتاج معه إلى تقدير حذف اللام ، لو كان سائغاً كيف وهو غير سائغ انتهى كلام المصنف .

ويحمل تفسير ابن عباس والحسن أن المعنى : لكل درجات من الجنة والنار على تفسير المعنى ، لا تفسير اللفظ الأعرابي .

والظاهر من قولهم : هم درجات ، أن الضمير عائد على الجميع ، فهم متفاوتون في الثواب والعقاب ، وقد جاء التفاوت في العذاب كما جاء التفاوت في الثواب .

ومعنى عند الله على هذا القول : في حكم الله .

وقيل : الضمير يعود على أهل الرضوان ، فيكون عند الله معناها التشريف والمكانة لا المكان .

كقوله : { عند مليك مقتدر } والدرجات إذ ذاك مخصوصة بالجنة وهذا معنى قول : ابن جبير وأبي صالح ومقاتل ، وظاهر ما قاله مجاهد والسدّي .

والدرجات المنازل بعضها أغلى من بعض من المسافة أو في التكرمة .

وقرأ الجمهور درجات ، فهي مطابقة للفظ هم .

وقرأ النخعي درجة بالإفراء .

{ والله بصير بما يعملون } أي : عالم بأعمالهم ودرجاتها ، فمجازيهم على حسبها .

/خ163