جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمۡۚ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡ أَدَعَوۡتُمُوهُمۡ أَمۡ أَنتُمۡ صَٰمِتُونَ} (193)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىَ لاَ يَتّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } . .

يقول تعالى ذكره في وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربهم إياه : ومن صفته أنكم أيها الناس إن تدعوهم إلى الطريق المستقيم ، والأمر الصحيح السديد لا يَتّبِعُوكُمْ لأنها ليست تعقل شيئا ، فتترك من الطرق ما كان عن القصد منعدلاً جائرا ، وتركب ما كان مستقيما سديدا . وإنما أراد الله جلّ ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها تنبيههم على عظيم خطئهم ، وقُبح اختيارهم ، يقول جلّ ثناؤه : فكيف يهديكم إلى الرشاد من إن دعي إلى الرشاد وعرفه لم يعرفه ، ولم يفهم رشادا من ضلال ، وكان سواءً دعاء داعيه إلى الرشاد وسكوته ، لأنه لا يفهم دعاءه ، ولا يسمع صوته ، ولا يعقل ما يقال له ؟ يقول : فكيف يُعبد من كانت هذه صفته ، أم كيف يشكل عظيم جهل من اتخذ ما هذه صفته إلها ؟ وإنما الربّ المعبود هو النافع من يعبده ، الضارّ من يعصيه ، الناصر وليه ، الخاذل عدوّه ، الهادي إلى الرشاد من أطاعه ، السامع دعاء من دعاه . وقيل : سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أدَعَوْتُموهُمْ أمْ أنْتُمْ صَامِتُونَ فعطف بقوله : «صامتون » ، وهو اسم على قوله : «أدعوتموهم » ، وهو فعل ماض ، ولم يقل : أم صَمَتّم ، كما قال الشاعر :

سَوَاءٌ عَلَيْكَ القَفْرُ أمْ بِتّ لَيْلَةً ***بأهْلِ القِبابِ مِنْ نُمَيْرِ بْنِ عامِرِ

وقد ينشد : «أم أنت بائت » .