الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمۡۚ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡ أَدَعَوۡتُمُوهُمۡ أَمۡ أَنتُمۡ صَٰمِتُونَ} (193)

ثم قال تعالى : { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم{[26459]} }[ 193 ] .

والمعنى : إنكم إن دعوتم آلهتكم إلى رشاد لم تفهم ، فكيف يُعْبد من إذا دُعِي{[26460]} إلى الرشاد{[26461]} وعُرِّفه لم يعرفه ، ولم يفهم رشادا من ضلال ، وكان دعاؤه وتركه سواء ، فكيف يُعْبَد من هذه{[26462]} صفته ، وكيف يشكل عظيم جهل من اتخذ ما هذه صفته إلاها{[26463]} ؟

{ سواء عليكم أدعوتموهم أم{[26464]} أنتم صامتون{[26465]} }[ 193 ] .

أي صَمَتُّم . كل ذلك على آلهتكم سواء ، لا تعقل ولا تفهم فهذا في الظاهر وقع للداعين الاستواء وهو في المعنى المقصود وقع للمدعويين ؛ لأن حال الداعي في الصُّمات والدعاء مختلفة ؛ لأنه ممن يدعو ويصمت ، وحال المدعويين في الدعاء والصُّمات سواء ، لأنها أصنام ، قد استوى الدعاء لها وتركه ، إذ لا تعقل ، ولا تختلف أحوالها ، فلما استوى على الأصنام الدعاء والصُّمات ، استوى على الداعي ذلك أيضا ، إذ يدعو ويصمت فلا يجاب فجاز لذلك{[26466]} ، فصار الدعاء والصَّمت للداعي في الظاهر لهذا المعنى ، وهو مثل قوله : { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع{[26467]} } . وقد مضى بيانه{[26468]} .


[26459]:في الأصل زيادة {سواء}.
[26460]:في "ر": من ادعي، وفيه سقط.
[26461]:الرشاد، تحرفت في الأصل إلى: الشيء. وفي "ر" إلى شيء. وفي "ج": سيئة الكتابة. والتصويب من جامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[26462]:في الأصل، و"ر": من هذا.
[26463]:جامع البيان 13/320، بتصرف، وتمام نصه: "...وإنما الرب المعبود هو النافع من يعبده، الضار من يعصيه، الناصر وليه، الخاذل عدوه، الهادي إلى الرشاد من أطاعه، السامع دعاء من دعاه".
[26464]:في الأصل: إذ دعوتهم، وهو تحريف.
[26465]:في معاني القرآن للفراء 1/401، "...، ولم يقل: أم صمتم. وعلى هذا أكثر كلام العرب، أن يقولوا: سواء عليَّ أقَمْتَ أم قَعَدْتَ. ويجوز: سواء عليَّ أقَمتَ أم أنت قاعد...". وفي التبيان في إعراب القرآن 1/608: "...، جملة اسمية في موضوع الفعلية، والتقدير: أدعوتموهم أم صمتم؟". و"صامتون" و"صمتم" عند سيبويه واحد، كما جاء في إعراب القرآن للنحاس 2/168. انظر: الكشاف 2/182، والبحر المحيط 4/439، والدر المصون 3/384.
[26466]:في "ر": بذلك.
[26467]:البقرة:170.
[26468]:انظر: الهداية: تفسير قوله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع}، البقرة:170.