قوله : { وَإِن تَدْعُوهُمْ } الظاهرُ أنَّ الخطاب للكفَّار ، وضمير النَّصْبِ للأصنام ، أي : وإن تدعوا آلهتكم إلى طلب هدى ورشاد - كما تطلبونه من الله - لا يتابعوكم على مُرادكُم ، ويجُوزُ أن يكون الضميرُ للرسُولِ والمؤمنين ، والمنصوب للكفَّارِ ، أي وإن تدعوا أنتم هؤلاء الكفار إلى الإيمان ، ولا يجوزُ أن يكون تَدعُوا مسنداً إلى ضميرِ الرسُولِ فقط ، والمنصوبُ للكُفَّارِ أيضاً ؛ لأنَّه كان ينبغي أن تحذف الواو ، لأجل الجازم ، ولا يجوزُ أن يقال : قدَّر حذف الحركة وثبت حرف العلَّة ؛ كقوله : [ البسيط ]
هَجَوْتَ زبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً *** مِنْ هَجْوِ زبَّان لَمْ تَهْجُوا ولمْ تَدَعِ{[17078]}
ويكون مثل قوله تعالى : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } [ يوسف : 90 ] ، { فَلاَ تنسى } [ الأعلى : 6 ] { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى } [ طه : 77 ] لأنَّه ضرورةٌ ، وأمَّا الآيات فمؤولة وسيأتي ذلك .
قوله : " لا يَتَّبِعُوكُم " قرأ نافع{[17079]} بالتخفيف ، وكذا في الشعراء { يَتْبَعُهُمْ } [ 244 ] .
والباقون بالتشديد ، فقيل : هما لغتان ، ولهذا جاء في قصة آدم : { فَمَن تَبِعَ } [ البقرة : 385 ] وفي موضع { أَفَمَنِ اتبع } [ طه : 132 ] .
وقيل : تَبع اقتفى أثره ، واتَّبعه بالتشديد : اقتدى به والأول أظهر .
ثُمَّ أكَّد الكلام فقال : { سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } والمعنى : سواء عليكم أدعوتموهم إلى الدِّين أم أنتم صامتون عن دعائهم ، لا يؤمنون ، كقوله : { عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] وعطف قوله : { أَمْ أنْتُمْ صَامِتُونَ } وهي جملةٌ اسمية على أخرى فعلية ؛ لأنَّها في معنى الفعليَّة ، والتقدير : أمْ صَمَتُّم ؟
وقال أبُو البقاءِ : جملة اسميَّة في موضع الفعليَّة ، والتقديرُ : أدعوتموهم أم صَمَتُّم ؟
وقال ابنُ عطيَّة : عطف الاسم على الفعل ؛ إذ التقدير : أمْ صَمَتُّم ؛ ومثله قول الشاعر : [ الطويل ]
سَوَاءٌ عَليْكَ النَّفْرُ أم بِتَّ لَيْلَةً *** بأهْلِ القبابِ مِنْ نُمَيْرِ بنِ عامرِ{[17080]}
قال أبُو حيَّان{[17081]} : وليس هذا من عطفِ الفعل على الاسم ، إنَّما هو من عطف الاسميَّة على الفعليَّة ، وأمَّا البيتُ فليس فيه عطف فعلٍ على اسم ، بل هو من عطف الفعلية على اسم مُقدَّرٍ بالفعلية ، إذ الأصل : سواءٌ عليك أنفرت أم بتَّ ، وإنما أتى في الآية بالجملة الثانية اسمية ؛ لأنَّ الفعل يُشْعِر بالحدوث ولأنها رأسُ فاصلة . والصَّمْتُ : السُّكوت ، يقال صَمَتَ يَصْمُتُ بالفَتْحِ ، في الماضي ، والضم في المضارع .
ويقال : صَمِتَ ، بالكسرِ ، يَصْمَتُ بالفتح والمصدر الصَّمْتُ والصُّمات ، وإصمت ، بكسر الهمزة والميم : اسمُ فلاة معروفة ، وهو منقولٌ من فعل الأمر من هذه المادة ، وقد ردَّ بعضهم هذا بأنَّه لو كان منقولاً من الأمر لكان ينبغي أن تكون همزته همزة وصل ، ولكان ينبغي أن تكون ميمه مضمومة ، إن كان من " يَصْمُتُ " أو مفتوحة إن كان من " يَصْمَتُ " ؛ ولأنَّهُ ينبغي ألاَّ يؤنث بالتَّاءِ ، وقد قالوا : إصْمِتَة .
والجوابُ أنَّ فعل الأمر يجبُ قطعُ همزته إذا سُمِّيَ به نحو : أسْرُب ؛ لأنَّهُ ليس لنا من الأسماءِ ما همزته للوصل إلاَّ أسماءٌ عشرة ، ونوع الانطلاق من كل مصدر زاد على الخمسة وهو قليلٌ ، فالإلحاقُ بالكثير أولَى ، وأمَّا كَسْرُ الميم فلأنَّ التغيير يُؤنِسُ بالتَّغيير وكذلك الجوابُ عن تأنيثه بالتَّاءِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.