الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمۡۚ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡ أَدَعَوۡتُمُوهُمۡ أَمۡ أَنتُمۡ صَٰمِتُونَ} (193)

قوله تعالى : { وَإِن تَدْعُوهُمْ } : الظاهرُ أن الخطاب للكفار وضميرَ النصب للأصنام ، والمعنى : وإن تدعوا آلهتكم إلى طَلَب هدى ورشاد كما تطلبونه من الله لا يتابعوكم على مُرادكم . ويجوز أن يكونَ الضميرُ للرسول والمؤمنين والمنصوب للكفار : وإن تدعوا أنتم هؤلاء الكفار إلى الإِيمان . ولا يجوز أن يكونَ " تَدْعوا " مسنداً إلى ضمير الرسول فقط ، والمنصوبُ للكفار أيضاً ، لأنه كان ينبغي أن تُحْذف الواو لأجل الجازم ، ولا يجوز أن يُقال قَدَّر حَذْفَ الحركة وثبت حرف العلة كقوله :

هَجَوْت زَبَّان ثم جِئْتَ مُعْتذراً *** مِنْ هَجْو زبَّانَ لم تهجو ولم تَدَعِ

ويكون مثلَ قوله تعالى : { إِنَّهُ مَن يَتَّقي وَيِصْبِرْ } [ يوسف : 90 ]

{ فَلاَ تَنسَى } { لا تَخَفْ دَرَكاً ولا تخشى } [ طه : 77 ] لأنه ضرورةٌ ، وأمَّا الآيات فمؤولة وسيأتي ذلك ، وقد مضى منه جملة .

قوله : " لا يَتَّبِعكم " قرأ نافع بالتخفيف وكذا في الشعراء " يَتْبَعُهم " ، والباقون بالتشديد ، فقيل : هما لغتان ، ولهذا جاء في قصة آدم : { فَمَن تَبِعَ }

[ البقرة : 38 ] ، في موضع آخر { اتَّبَعَ } [ طه : 123 ] . وقيل : تبع : اقتفى أثره ، واتَّبعه بالتشديد اقتدَى به . والأول أظهر .

قوله : { أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } هذه جملةٌ اسميةٌ عُطِفت على أخرى فعلية لأنها في معنى الفعلية ، والتقدير : أم صَمَتُّم . وقال أبو البقاء : " جملةٌ اسمية في موضعِ الفعلية والتقدير : أدعوتموهم أم صَمَتُّم " . وقال ابن عطية : " عَطَفَ الاسمَ على الفعل إذ التقدير : أم صَمَتُّم ، ومثله قول الشاعر :

سواءٌ عليك الفقرُ أم بِتَّ ليلةً *** بأهل القباب مِنْ نميرِ بن عامرِ

قال الشيخ : " وليس من عَطْفِ الفعلِ على الاسم ، إنما هو من عَطْفِ الاسمية على الفعلية ، وأمَّا البيتُ فليس فيه عطفُ فعلٍ على اسم ، بل مِنْ عطفِ الفعليةِ على اسمٍ مقدَّرٍ بالفعلية إذ الأصل : سواء عليك أفتقرْتَ أم بِتَّ ، وإنما أَتَى في الآية بالجملة الثانية اسمية لأن الفعلَ يُشعِر بالحدوث ولأنها رأسُ فاصلة " .

والصَّمْتُ : السكون ، يقال منه : صمَت يصمُت : بالفتح في الماضي والضم في المضارع . ويقال : صَمِت بالكسر يصمَت بالفتح ، والمصدر : الصَّمْت والصُّمات . و " إصْمِت " بكسر الهمزة والميم اسمُ فلاة معروفة ، وهو منقولٌ من فعل الأمر من هذه المادة . وقد رَدَّ بعضهم هذا بأنه لو كان منقولاً من الأمر لكان ينبغي أن تكون همزتُه همزةَ وصل ، ولكان ينبغي أن تكون ميمُه مضمومةً إن كان مِنْ يَصْمُت ، أو مفتوحةً إن كان من يَصْمَت ، ولأنه كان ينبغي ألاَّ يؤنث بالتاء وقد قالوا إصْمِتة . والجواب أن فعلَ الأمر يجبُ قَطْعُ همزتِهِ إذا سُمِّي به نحو " إشرب " لأنه ليس لنا من الأسماء ما همزته للوصل إلا أسماءٌ عشرة [ ونوع الانطلاق من كل مصدر زاد على الخمسة ] وهو قليلٌ فالإِلحاق بالكثير أولى ، وأما كسر الميم فلأنَّ التغييرَ يُؤْنِسُ بالتغيير ، وكذلك الجوابُ عن تأنيثِه بالتاء .