التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ} (3)

ثم أخبر - سبحانه - عن حالهم فى الماضى ، بعد بيان حالهم فى المستقبل ، فقال - تعالى - : { وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } .

أى : أن هؤلاء الجاحدين جمعوا كل الرذائل ، فهم إن يروا معجزة تشهد لك بالصدق - أيها الرسول الكريم - يعرضوا عنها ، ويصفوها بأنها سحر ، وهم فى ماضيهم كذبوا دعوتك ، واتبعوا أهواءهم الفاسدة ، ونفوسهم الأمارة بالسوء .

وجملة : { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } معترضة ، وهى جارية مجرى المثل ، أى : وكل أمر لا بد وأن يستقر إلى غاية ، وينتهى إلى نهاية ، وكذلك أمر هؤلاء الظالمين ، سينتهى إلى الخسران ، وأمر المؤمنين سينتهى إلى الفلاح .

وفى هذا الاعتراض تسلية وتبشير للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه بحسن العاقبة ، وتيئيس وإقناط لأولئك المشركين من زوال أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - كما كانوا يتمنون ويتوهمون .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ} (3)

{ وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ } .

هذا إخبار عن حالهم فيما مضى بعد أن أخبر عن حالهم في المستقبل بالشرط الذي في قوله : { وإن يروا آية يعرضوا } [ القمر : 2 ] . ومقابلة ذلك بهذا فيه شبه احتباك كأنه قيل : وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر ، وقد رأوا الآيات وأعرضوا وقالوا : سحر مستمر ، وكذبوا واتبعوا أهوائهم وسيكذبون ويتبعون أهواءهم .

وعَطْف { واتبعوا أهواءهم } عطفُ العلة على المعلول لأن تكذيبهم لا دافع لهم إليه إلا اتباعُ ما تهواه أنفسهم من بقاء حالهم على ما ألفوه وعهدوه واشتهر دوامه .

وجمع الأهواء دون أن يقول واتبعوا الهوى كما قال : { إن يتبعون إلا الظن } [ الأنعام : 116 ] ، حيث إن الهوى اسم جنس يصدق بالواحد والمتعدد ، فعدل عن الإِفراد إلى الجمع لمزاوجة ضمير الجمع المضاف إليه ، وللإِشارة إلى أن لهم أصنافاً متعددة من الأهواء : من حب الرئاسة ، ومن حسد المؤمنين على ما آتاهم الله ، ومن حب اتباع ملة آبائهم ، ومن محبة أصنامهم ، وإلففٍ لعوائدهم ، وحفاظ على أنفتهم .

{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرّ } .

هذا تذييل للكلام السابق من قوله : { وإن يروا آية يعرضوا } إلى قوله : { أهواءهم } [ القمر : 2 ، 3 ] ، فهو اعتراض بين جملة { وكذبوا } وجملة { ولقد جاءهم من الأنباء } [ القمر : 4 ] ، والواو اعتراضية وهو جار مجرى المثل .

و { كل } من أسماء العموم . وأمر : اسم يدل على جنس عاللٍ ومثله شيء ، وموجود ، وكائن ، ويتخصص بالوصف كقوله تعالى : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } [ النساء : 83 ] وقد يتخصص بالعقل أو العادة كما تخصّص شيء في قوله تعالى عن ريح عَاد { تدمّر كل شيء } [ الأحقاف : 25 ] أي من الأشياء القابلة للتدمير . وهو هنا يعم الأمور ذوات التأثير ، أي تتحقق آثار مواهِيها وتظهر خصائصها ولو اعترضتها عوارض تعطل حصول آثارها حيناً كعوارضَ مانعة من ظهور خصائصها ، أو مدافعات يراد منها إزالة نتائجها فإن المؤثرات لا تلبث أن تتغلب على تلك الموانع والمدافعات في فُرصصِ تَمكنها من ظهور الآثار والخصائص .

والكلام تمثيل شبهت حالة تردد آثار الماهية بين ظهور وخفاء إلى إبان التمكن من ظهور آثارها بحالة سير السائر إلى المكان المطلوب في مختِلف الطرق بين بُعد وقرب إلى أن يستقر في المكان المطلوب . وهي تمثيلية مكنية لأن التركيب الذي يدل على الحالة المشبه بها حُذِف ورمز إليه بذكر شيء من روادف معناه وهو وصف مستقر .

ومن هذا المعنى قوله تعالى : { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون } [ الأنعام : 67 ] وقد أخذه الكميّت بن زيد في قوله :

فالآن صِرت إلى أمي *** ةَ والأمورُ إلى مصائر

فالمراد بالاستقرار الذي في قوله : { مستقر } الاستقرار في الدنيا .

وفي هذا تعريض بالإِيماء إيماء إلى أن أمر دعوة محمد صلى الله عليه وسلم سيرسخ ويستقر بعد تقلقله .

ومستقِر : بكسر القاف اسم فاعل من استقر ، أي قَرّ ، والسين والتاء للمبالغة مثل السين والتاء في استجاب .

وقرأ الجمهور برفع الراء من { مستقر } . وقرأه أبو جعفر بخفض الراء على جعل { كل أمر } عطفاً على { الساعة } [ القمر : 1 ] . والتقدير : واقترب كل أمر . وجَعل { مستقر } صِفة { أمر } .

والمعنى : أن إعراضهم عن الآيات وافتراءهم عليها بأنها سحر ونحوه وتكذيبهم الصادق وتمالؤهم على ذلك لا يوهن وقعها في النفوس ولا يعوق إنتاجها . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم صائر إلى مصير أمثاله الحق من الانتصار والتمام واقتناع الناس به وتزايد أتباعه ، وأن اتباعهم أهواءهم واختلاق معاذيرهم صائر إلى مصير أمثاله الباطلة من الانخذال والافتضاح وانتقاص الأَتباع .

وقد تضمن هذا التذييل بإجماله تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتهديداً للمشركين واستدعاء لنظر المترددين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله تعالى: {وكذبوا} بالآية، يعني بالقمر أنه ليس من الله تعالى {واتبعوا أهواءهم وكل أمر} هذا وعيد، {مستقر} يعني لكل حديث منتهى وحقيقة، يعني العذاب في الدنيا القتل ببدر، ومنه في الآخرة عذاب النار...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ بِآيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ مَا أَتَتْهُمْ حَقِيقَتُهَا، وَعَايَنُوا الدِّلَالَةَ عَلَى صِحَّتِهَا بِرُؤْيَتِهِمُ الْقَمَرَ مُنْفَلِقًا فِلْقَتَيْنِ.

{وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} يَقُولُ: وَآثَرُوا اتِّبَاعَ مَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ أَهْوَاءُ أَنْفُسِهِمْ مِنْ تَكْذِيبِ ذَلِكَ عَلَى التَّصْدِيقِ بِمَا قَدْ أَيْقَنُوا صِحَّتَهُ مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَقِيقَةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقَرٌّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكُلُّ أَمْرٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ مُسْتَقِرٌّ قَرَارَهُ، وَمُتَنَاهٍ نِهَايَتَهُ، فَالْخَيْرُ مُسْتَقِرٌّ بِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّرُّ مُسْتَقِرٌّ بِأَهْلِهِ فِي النَّارِ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل كذّبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما أتى به من الآية على الرسالة. ويحتمل {وكذّبوا} بالتوحيد {واتّبعوا أهواءهم} يخبر أنهم إنما كذّبوا ما ذكر باتّباع أهواءهم لا بحجة ولا برهان.

وقوله تعالى: {وكل أمرٍ مستقر}...: لكل أمر وفعل حقيقة ما كان: فما كان منه في الدنيا فسيُظهر، وما كان منه في الآخرة، فسيُعرف.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ}: التكذيب واتباع الهوى قريبان؛ فإِذا حَصَل اتباعُ الهوى فمِنْ شُؤْمِه يحصل التكذيب؛ لأنَّ اللَّهَ يُلَبِّس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد. أما اتباع الرضا فمقرونٌ بالتصديق؛ لأنَّ اللَّهَ ببركاتِ اتباع الحقِّ يفتح عينَ البصيرة فيحصل التصديقِ.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} أي كل أمر لا بد أن يصير إلى غاية يستقرّ عليها، وإن أمر محمد سيصير إلى غاية يتبين عندها أنه حق، أو باطل وسيظهر لهم عاقبته. أو وكل أمر من أمرهم وأمره مستقر، أي: سيثبت ويستقر على حالة خذلان أو نصرة في الدنيا، وشقاوة أو سعادة في الآخرة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وكذبوا واتبعوا أهواءهم} وهو يحتمل أمرين؛

أحدهما: وكذبوا محمدا المخبر عن اقتراب الساعة.

وثانيهما: كذبوا بالآية وهي انشقاق القمر.

فإن قلنا: كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقوله: {واتبعوا أهواءهم} أي تركوا الحجة وأولوا الآيات وقالوا: هو مجنون تعينه الجن وكاهن يقول: عن النجوم ويختار الأوقات للأفعال وساحر، فهذه أهواءهم. وإن قلنا: كذبوا بانشقاق القمر، فقوله: {واتبعوا أهواءهم} في أنه سحر القمر، وأنه خسوف والقمر لم يصبه شيء فهذه أهواءهم، وكذلك قولهم في كل آية.

{وكل أمر مستقر} فيه وجوه

أحدها: كل أمر مستقر على سنن الحق يثبت والباطل يزهق، وحينئذ يكون تهديدا لهم، وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو كقوله تعالى: {ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم} أي بأنها حق.

ثانيها: وكل أمر مستقر في علم الله تعالى: لا يخفى عليه شيء فهم كذبوا واتبعوا أهواءهم، والأنبياء صدقوا وبلغوا ما جاءهم، كقوله تعالى: {لا يخفى على الله منهم شيء}، وكما قال تعالى في هذه السورة: {وكل شيء فعلوه في الزبر، وكل صغير وكبير مستطر}.

ثالثها: هو جواب قولهم: {سحر مستمر} أي ليس أمره بذاهب بل كل أمر من أموره مستقر.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان التكذيب في نفسه قد يكون حقاً، قال مبيناً أنه باطل، فبين عن حالهم بقوله: {واتبعوا} أي بمعالجة فطرهم الأولى المستقيمة في دعائها إلى التصديق {أهواءهم} أي حتى نابذوا ما دلتهم عليه بعد الفطرة الأولى عقولهم...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} التي زيَّنها الشيطانُ لهم أو كذَّبُوا الآيةَ التي هيَ انشقاقُ القمرِ واتَّبعُوا أهواءَهُم وقالُوا سحرَ القمرَ أو سحرَ أَعْيُننا والقمرُ بحالِه. وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على التحققِ. وقولُه تعالى: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} استئنافٌ مسوقٌ لإقناطِهم عمَّا علَّقوا به أمانيَّهم الفارغةَ من عدمِ استقرارِ أمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حسبمَا قالُوا سحرٌ مستمرٌّ ببيانِ ثباتِه ورسوخِه أي وكلُّ أمرٍ من الأمورِ مستقرٌّ أي مُنتهٍ إلى غايةٍ يستقرُّ عليَها لا محالةَ، ومن جُملتِها أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسيصيرُ إلى غايةٍ يتبينُ عندَهَا حقِّيتُه وعلُّو شأنِه. وإبهامُ المستقَرِّ عليهِ للتنبيهِ على كمالِ ظهورِ الحالِ وعدمِ الحاجةِ إلى التصريحِ بهِ، وقيلَ: المَعْنى كلُّ أمرٍ من أمرِهم وأمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مستقرٌّ أي سيثبتُ ويستقرُّ على حالةِ خذلانٍ أو نصرةٍ في الدُّنيا وشقاوةٍ أو سعادةٍ في الآخرةِ.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

وحاصله أنهم اتبعوا أهواءهم، مع أن اتباع الهوى لا يزيل المقدور، وكل من أمره صلى الله عليه وسلم وأمرهم قد ثبت في اللوح، وعلمه تعالى على وجه لا يتخلف، فذلك يثبت كونه محقا رسولا من الله عز وجل، ينصر في الدنيا والآخرة، موفقا، وكونهم مبطلين مخذولين في الدنيا والآخرة، أو ستظهر لكم عاقبة ذلك واقعة لغاية مؤجلة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكذبوا بالآيات وبشهادتها. كذبوا اتباعا لأهوائهم لا استنادا إلى حجة، ولا ارتكانا إلى دليل...

. (وكل أمر مستقر).. فكل شيء في موضعه في هذا الوجود الكبير. وكل أمر في مكانه الثابت الذي لا يتزعزع ولا يضطرب. فأمر هذا الكون يقوم على الثبات والاستقرار، لا على الهوى المتقلب، والمزاج المتغير؛ أو المصادفة العابرة والارتجال العارض ....

... إذ هم وحدهم مضطربون تتجاذبهم الأهواء!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

مستقِر -بكسر القاف-: اسم فاعل من استقر، أي قَرّ، والسين والتاء للمبالغة مثل السين والتاء في استجاب. وقرأ الجمهور برفع الراء من {مستقر}. وقرأه أبو جعفر بخفض الراء على جعل {كل أمر} عطفاً على {الساعة} [القمر: 1]. والتقدير: واقترب كل أمر. وجَعل {مستقر} صِفة {أمر}. والمعنى: أن إعراضهم عن الآيات وافتراءهم عليها بأنها سحر ونحوه وتكذيبهم الصادق وتمالؤهم على ذلك لا يوهن وقعها في النفوس ولا يعوق إنتاجها. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم صائر إلى مصير أمثاله الحق من الانتصار والتمام واقتناع الناس به وتزايد أتباعه، وأن اتباعهم أهواءهم واختلاق معاذيرهم صائر إلى مصير أمثاله الباطلة من الانخذال والافتضاح وانتقاص الأَتباع. وقد تضمن هذا التذييل بإجماله تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتهديداً للمشركين واستدعاء لنظر المترددين.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

معنى {وكذبوا..} أي: كذبوا بالآيات الواضحات، والكذب قول يخالف الواقع وهو صفة مذمومة عند الناس جميعا، وهؤلاء كذبوا عنادا واتباعا لهواهم {واتبعوا أهواءهم..} فالهوى يدعوه لأن يكذب بالحق ليحقق ما يهواه، والهوى لا يدعو صاحبه إلى خير، إنما يدعوه إلى الشر والهلاك: كما قال تعالى: {واتبع هواه وكان أمره فرطا (28)} [الكهف] وقال فيهم الحق سبحانه {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس... (23)} [النجم] فهوى النفس متحكم فيهم مسيطر على تصرفاتهم.

{وكل أمر مستقر} كل أمر من الكفر أو الإيمان، الطاعة أو المعصية، كل أمره مستقر إلى غاية معلومة وأجل يعلمه ألله، وعلم الله بالأشياء أزلي، يعني قبل أن يحدث يعلمه الله وسجلته الكتبة.

فالحق سبحانه حينما قضى بكفر الكافر لم يرغمه على الكفر، إنما ترك له الاختيار، لكن لعلمه الأزلي كتب عليه ما سيحدث منه، وهذه من عظمته تعالى وإحاطة علمهم سبحانه بما كان وما يكون وما لم يكن...

هذا معنى {وكل أمر مستقر} نعم مستقر ففي علم الله، فلا تتعب يا محمد ولا تجهد نفسك في دعوة هؤلاء، وما عليك إلا البلاغ، أما الإيمان والكفر فقد سبق في علم الله أن هذا سيؤمن ومستقره في الجنة، وهذا سيكفر ومستقره في النار..

فهوى هؤلاء المكذبين لن يغير من هذا المستقر شيئا، لأنه واقع ومستقر في اللوح المحفوظ في أم الكتاب الذي لا يغيره أحد.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إنّ حالة التعصّب والعناد وحبّ الذات لم تسمح لهم بالاستسلام للحقّ، ومن جهة أخرى فإنّ المشركين ركنوا للملذّات الرخيصة بعيداً عن ضوابط المسؤولية، وذلك إشباعاً لرغباتهم وشهواتهم، وكذلك فإنّ تلوّث نفوسهم بالآثام حال دون استجابتهم لدعوة الحقّ، لأنّ قبول هذه الدعوة يفرض عليهم التزامات ومسؤوليات الإيمان والاستجابة للتكاليف... نعم إنّ هوى النفس كان وسيبقى السبب الرئيسي في إبعاد الناس عن مسير الحقّ... ويحتمل أن يكون تفسير الآية السابقة أنّ الأكاذيب والاتهامات لا تقوى على الاستمرار الأبدي في إطفاء نور الحقّ والتكتّم عليه، حيث إنّ كلّ شيء (خير أو شرّ) يسير بالاتجاه الذي يصبّ في المكان الملائم له، حيث إنّ الحقّ سيظهر وجهه الناصح مهما حاول المغرضون إطفاءه، كما أنّ وجه الباطل القبيح سيظهر قبحه كذلك، وهذه سنّة إلهيّة في عالم الوجود.