التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ} (93)

ثم زاد فى توبيخهم وتهديدهم فقال { وياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وارتقبوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } والمكانة مصدر مكن ككرم ، يقال مكن فلان من الشئ مكانه ، إذا تمكن منه أبلغ تمكن ، والأمر فى قوله { اعملوا } للتهديد والوعيد .

أى : اعملوا كل ما فى إمكانكم عمله معى ، وابذلوا فى تهديدى ووعيدى ما شئتم ، فإن ذلك لن يضيرنى ، وكيف يضيرنى وأنا المتوكل على الله المعتمد على عونه ورعايته . . . ؟

وإنى سأقابل عملكم السئ هذا بعمل آخر حسن من جانبى ، وهو الدوة إلى وحدانية الله - تعالى - وإلى مكارم الأخلاق .

وقوله { سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ . . . } استئناف مؤكد لتهديده لهم .

أى : اعملوا ما شئتم وأنا سأعمل ما شئت فإنكم بعد ذلك سوف تعلمون من منا الذى سينزل به عذاب يخزيه ويفضحه ويهينه ، ومن منا الذى هو كاذب فى قوله وعمله .

{ وارتقبوا } عافلة تكذيبكم للحق { إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } أى : إنى معكم منتظر ورماقب لما سيفعله الله - تعالى - بكم .

وبذلك نرى شعيبا - عليه السلام - فى هاتين الآيتين ، قد استعمل مع قومه أسلوبا آخر فى المخاطبة ، يمتاز بشدة عليهم والتهديد لهم ، لا غضبا لنفسه ، وإنما لأجل حرمات الله - تعالى - ، والدفاع عن دينه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ} (93)

عطف نداء على نداء زيادة في التنبيه ، والمقصود عطف ما بعد النداء الثاني على ما بعد النداء الأوّل .

وجملة { اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون } تقدّم تفسير نظيرها في سورة الأنعام .

والأمر للتهديد . والمعنى : اعملوا متمكّنين من مكانتكم ، أي حالكم التي أنتم عليها ، أي اعملوا ما تحبّون أن تعملوه بي .

وجملة { إني عامل } مستأنفة . ولم يقرن حرف { سوف } في هذه الآية بالفاء وقرن في آية سورة الأنعام بالفاء ؛ فجملة { سوف تعلمون } هنا جعلت مستأنفة استئنافاً بيانيّاً إذ لمّا فاتحهم بالتّهديد كان ذلك ينشىء سؤالاً في نفوسهم عما ينشأ على هذا التّهديد فيجاب بالتهديد ب { سوف تعلمون } . ولكونه كذلك كان مساوياً للتفريع بالفاء الواقع في آية الأنعام في المآل ، ولكنّه أبلغ في الدّلالة على نشأة مضمون الجملة المستأنفة عن مضمون التي قبلها ؛ ففي خطاب شعيب عليه السّلام قومه من الشدة ما ليس في الخطاب المأمور به النبيءُ صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام جرياً على ما أرسل الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من اللين لهم { فبما رحمةٍ من الله لنت لهم } [ آل عمران : 159 ] . وكذلك التفاوت بين معمولي { تعلمون } فهو هنا غليظ شديد { من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب } وهو هنالك لين { مَن تكون له عاقبة الدّار } [ الأنعام : 135 ] .

و { من } استفهام معلق لفعل العلم عن العمل ، أي تعلمون جواب هذا السؤال . والعذاب : خزي لأنّه إهانة .

والارتقاب : الترقّب ، وهو افتعال من رقبه إذا انتظره .

والرّقيب هنا فعيل بمعنى فاعل ، أي أني معكم راقب ، أي كل يرتقب ما يجازيه الله به إن كان كاذباً أو مكذّباً .