التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة فصلت

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة " فصلت " هي السورة الحادية والأربعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان بعد سورة " غافر " .

وهي من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية في المصحف البصري والشامي ، وثلاث وخمسون في المصحف المكي والمدني ، وأربع وخمسون في المصحف الكوفي . وسورة " فصلت " تسمى –أيضا بسورة السجدة ، وحم السجدة ، وبسورة المصابيح ، وبسورة الأقوات( {[1]} ) .

2- والذي يقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل ، يراها في مطلعها تمدح القرآن الكريم : وتذكر موقف المشركين منه ومن الرسول صلى الله عليه وسلم وتلقن الرسول صلى الله عليه وسلم الجواب الذي يكتبهم ، وتهددهم بالعذاب الأليم .

قال –تعلى- : [ حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون . بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون . وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ، ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون ] .

3- ثم انتقلت السورة إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله –تعالى- ، عن طريق بيان خلقه للأرض وما اشتملت عليه من جبال وأقوات ، وعن طريق خلق السماء بطبقاتها المتعددة ، وعن طريق تزيين السماء الدنيا بمصابيح وحفظها .

قال –تعالى- : [ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ، وتجعلون له أندادا ، ذلك رب العالمين . وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين . ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ] .

4- وبعد أن هدد الله –تعالى- مشركي مكة بالعذاب الذي أصاب من قبلهم قوم عاد وثمود ، وفصل لهم موقف هؤلاء الأقوام من رسلهم وكيف أنهم عندما كذبوا رسلهم واستحبوا العمى على الهدى ، أخذتهم صاعقة العذاب الهون . .

بعد كل ذلك تحدثت عن أحوالهم السيئة يوم يحشرون للحساب يوم القيامة ، وكيف أن حواسهم تشهد عليهم في هذا اليوم العصيب .

ولنتدبر قوله –تعالى- : [ ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون . حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وقالوا لجلودهم : لم شهدتم علينا ، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ] .

5- وكعادة القرآن الكريم في قرنه الترغيب بالترهيب أو العكس ، وفي بيان عاقبة الأخيار والأشرار ، أتبعت السورة الحديث عن المشركين وسوء عاقبتهم ، بالحديث عن المؤمنين وحسن مصيرهم ، فقال –تعالى- : [ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ، ولكم فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم ] .

6- ثم ساقت سورة " فصلت " أنواعا من الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته ، قال –تعالى- : [ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ] .

[ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى ، إنه على كل شيء قدير ] .

7- ثم أخذت السورة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إقامة الأدلة الساطعة على أن هذا القرآن من عند الله .

قال –تعالى- : [ ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ، إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم . ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا : لولا فصلت آياته ، أأعجمي وعربي ، قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ، وهو عليهم عمى ، أولئك ينادون من مكان بعيد ] .

8- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ، ببيان أن مرد علم قيام الساعة إليه –تعالى- وحده ، وببيان طبيعة الإنسان في حالتي اليسر والعسر ، وببيان أن حكمته –سبحانه- اقتضت أن يطلع الناس في كل وقت على بعض من آبائه الدالة على وحدانيته وقدرته . قال –تعالى- [ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد . ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ، ألا إنه بكل شيء محيط ] .

9- وبعد : فهذا عرض إجمالي لسورة فصلت ، ومنه نرى : أنها اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، وبأن هذا القرآن من عند الله –تعالى- ، وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه ، وبأن يوم القيامة حق لا ريب فيه .

كما اهتمت بالحديث عن مصارع الغابرين الذين استحبوا العمى على الهدى وببيان أحوالهم يوم القيامة . . . وببشارة الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وأحسنوا القول والدعوة إلى الله . . . بأحسن البشارات وأفضلها . .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات : وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

القاهرة – مدينة نصر

صباح الأربعا : 10 من المحرم 1406 ه

25/9/1985م

د . محمد سيد طنطاوي

سورة " فصلت " من السور التى بدئت ببعض حروف التهجى .

والرأى الراجح فى هذه الحروف أنها جئ بها للإِيقاظ والتنبيه على أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - ، بدليل أنه مؤلف من جنس الحروف التى يتخاطب بها المشركون ، ومع ذلك فقد عجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تسمى { حم السجدة } بإضافة { حم } إلى { السجدة } كما قدمناه في أول سورة المؤمن ، وبذلك ترجمت في صحيح البخاري وفي جامع الترمذي لأنها تميزت عن السور المفتتحة بحروف { حم } بأن فيها سجدة القرآن . وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن خليل بن مرة{[1]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ : تبارك ، وحم السجدة{[2]} .

وسميت هذه السورة في كثير من التفاسير { سورة السجدة } ، وهو اختصار قولهم { حم السجدة } وليس تمييزا لها بذات السجدة .

وسميت هذه السور في كثير من التفاسير { سورة فصلت } .

واشتهرت تسميتها في تونس والمغرب { سورة فصلت } لوقوع كلمة { فصلت آياته } في أولها فعرفت بها تمييزا لها من السور المفتتحة بحروف { حم } . كما تميزت { سورة المؤمن } باسم { سورة غافر } عن بقية السور المفتتحة بحروف { حم } .

وقال الكواشي : وتسمى { سورة المصابيح } لقوله تعالى فيها { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } ، وتسمى { سورة الأقوات } لقوله تعالى { وقدر فيها أقواتها } .

وقال الكواشي في التبصيرة : تسمى { سجدة المؤمن } ووجه هذه التسمية قصد تمييزها عن سورة { الم السجدة } المسماة { سورة المضاجع } فأضافوا هذه إلى السورة التي قبلها وهي { سورة المؤمن } ، كما ميزوا { سورة المضاجع } باسم { سجدة لقمان } لأنها واقعة بعد { سورة لقمان } .

وهي مكية بالاتفاق نزلت بعد { سورة غافر } وقبل { سورة الزخرف } ، وعدت الحادية والستين في ترتيب نزول السور .

وعدت آيها عند المدينة وأهل مكة ثلاثا وخمسين ، وعند أهل الشام والبصرة اثنتين وخمسين ، وعند أهل الكوفة أربع وخمسين .

أغراضها

التنويه بالقرآن والإشارة إلى عجزهم عن معارضته .

وذكر هديه ، وأنه معصوم من أن يتطرقه الباطل ، وتأييده بما أنول إلى الرسل من قبل الإسلام .

وتلقى المشركين له بالإعراض وصم الآذان .

وإبطال مطاعن المشركين فيه وتذكيرهم بأن القرآن نزل بلغتهم فلا عذر لهم أصلا في عدم انتفاعهم بهديه .

وزجر المشركين وتوبيخهم على كفرهم بخالق السماوات والأرض مع بيان ما في خلقها من الدلائل على تفرده بالإلهية .

وإنذارهم بما حل بالأمم المكذبة من عذاب الدنيا .

ووعيدهم بعذاب الآخرة وشهادة سمعهم وأبصارهم وأجسادهم عليهم .

وتحذيرهم من القرناء المزينين لهم الكفر من الشياطين والناس وأنهم سيندمون يوم القيامة على اتباعهم في الدنيا .

وقوبل ذلك بما للموحدين من الكرامة عند الله .

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفعهم بالتي هي أحسن وبالصبر على جفوتهم وأن يستعيذ بالله من الشيطان .

وذكرت دلائل تفرد الله بخلق المخلوقات العظيمة كالشمس والقمر .

ودلائل إمكان البعث وأنه واقع لا محالة ولا يعلم وقته إلا الله تعالى .

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بتأييد الله إياهم بتنزل الملائكة بالوحي ، وبالبشارة للمؤمنين .

وتخلل ذلك أمثال مختلفة في ابتداء خلق العوالم وعبر في تقلبات أهل الشرك . والتنويه بإيتاء الزكاة .

القول في الحروف الواقعة فاتحةَ هذه السورة كالقول في { ألام .


[1]:محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي المتوفى سنة 439هـ له كتاب "المعتمد في أصول الفقه".
[2]:اسمه على الأصح الحسين, وقيل: الحسن بن محمد الطيبي-بكسرالطاء وسكون الياء -الشافعي المتوفى سنة 743هـ.