التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ} (42)

ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى فقال : { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } أى : لا يستطيع الباطل أن يتطرق إليه من أى جهة من الجهات ، لا من جهة لفظه ولا من جهة معناه لأن الله - تعالى - تكفل بحفظه وصيانته ، كما قال - تعالى -

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون ؟

قلت : بلى ، ولكن الله قد تكفل بحمايته عن تعلق الباطل به ، بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم ، وإفساد أقاويلهم . فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا ، ولا قول مبطل إلا مضمحلا .

وقوله : { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } أى : هذا الكتاب منزل من لدن الله الحكيم فى أقواله وأفعاله ، المحمود على ما أسدى لعباده من نعم لا تحصى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ} (42)

الوصف الرابع : أنه لا يتطرقه الباطل ولا يخالطه صريحُه ولا ضمنيُّه ، أي لا يشتمل على الباطل بحال . فمُثِّل ذلك بِ { من بين يديه ولا من خلفه } .

والمقصود استيعاب الجهات تمثيلاً لحال انتفاء الباطل عنه في ظاهره وفي تأويله بحال طرد المهاجم ليضر بشخص يأتيه من بين يديه فإن صدّه خاتله فأتاه من خلفه ، وقد تقدم في قوله تعالى : { ثم لآتِيَنّهم من بين أيديهم ومن خلفهم } [ الأعراف : 17 ] .

فمعنى : { لا يأتِيهِ الباطل } لا يوجد فيه ولا يداخله ، وليس المراد أنه لا يُدعَى عليه الباطل .

الوصف الخامس : أنه مشتمل على الحكمة وهي المعرفة الحقيقية لأنه تنزيل من حكيم ، ولا يصدر عن الحكيم إلا الحكمة : { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } [ البقرة : 269 ] فإن كلام الحكيم يأتي محكماً متقناً رصيناً لا يشوبه الباطل .

الوصف السادس : أنه تنزيل من حميد ، والحميد هو المحمود حمداً كثيراً ، أي مستحقّ الحمد الكثير ، فالكلام المنزل منه يستحق الحمد وإنما يحمد الكلام إذْ يكون دليلاً للخيرات وسائقاً إليها لا مطعن في لفظه ولا في معناه ، فيحمده سامعه كثيراً لأنه يجده مجلبة للخير الكثير ، ويحمد قائله لا محالة خلافاً للمشركين .

وفي إجراء هذه الأوصاف إيماء إلى حماقة الذين كفروا بهذا القرآن وسفاهة آرائهم إذ فرطوا فيه ففرطوا في أسباب فوزهم في الدنيا وفي الآخرة ولذلك جيء بجملة الحال من الكتاب عقب ذكر تكذيبهم إياه فقال : { وَإنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ } الآيات .