التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

ثم يذكر - سبحانه - بعض نعمه المختبئة فى البحرين فيقول : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } .

و { الُّلؤْلُؤُ } - فى أصله حيوان ، وهو أعجب ما فى البحار ، فهو يهبط إلى الأعماق ، وهو داخل صدفة جيرية تقيه من الأخطار . . . ويفرز مادة لزجة تتجمد مكونة " اللؤلؤ " .

والمرجان - أيضا - حيوان يعيش فى البحار . . . ويكون جزرا مرجانية ذات ألوان مختلفة : صفراء برتقالة ، أو حماء قرنفلية ، أو زرقاء زمردية .

ومن اللؤلؤ والمرجان تتخذ الحلى الغالية الثمن ، العالية القيمة ، التى تتحلى بها النساء . .

والآية الكريمة صريحة فى أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحرين - الملح والعذب - إلا أن كثيرا من المفسرين ساروا على أنه - أى : اللؤلؤ والمرجان - يخرج من أحدهما فحسب ، وه البحر الملح .

قال الآلوسى ما ملخصه : واللؤلؤ صغار الدر ، والمرجان كباره . . . وقيل : العكس .

والمشاهد أن خروج " اللؤلؤ والمرجان " من أحدهما وهو الملح . . . لكن لما التقيا وصارا كالشىء الواحد جاز أن يقال : يخرجان منهما ، كما يقال : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميعه ، ولكن من بعضه ، كما تقول : خرجت من البلد ، وإنما خرجت من محلة من محاله ، بل من دار واحدة من دوره ، وقد يسند إلى الإثنين ما هو لأحدهما ، كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واحد منهم .

والحق أن ما سار عليه الإمام الآلوسى وغيره : من أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحر الملح لا من البحر العذب ، مخالف لما جاء صريحا فى قوله - تعالى - : { وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا . . } فإن هذه الآية صريحة فى أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من كلا البحرين الملح والعذب ، وقد أثبتت البحوث العلمية صحة ذلك ، فقد عثر عليهما فى بعض الأنهار العذبة ، التى فى ضواحى ويلز واسكتلاندا فى بريطانيا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

حال ثالثة . ثم إن كان المراد بالبحرين : بحرين معروفين من البحار الملحة تكون ( من ) في قوله : { منهما } ابتدائية لأن اللؤلؤ والمرجان يكونان في البحر الملح .

وإن كان المراد بالبحرين : البحر الملح ، والبحر العذب كانت ( من ) في قوله : { منهما } للسببية كما في قوله تعالى : { فمن نفسك } في سورة النساء ( 79 ) ، أي يخرج اللؤلؤ والمرجان بسببهما ، أي بسبب مجموعهما . أما اللؤلؤ فأجْودُهُ ما كان في مصبّ الفرات على خليج فارس ، قال الرماني : لما كان الماء العذب كاللقاح للماء الملح في إخراج اللؤلؤ ، قيل : يخرج منهما كما يقال : يتخلق الولد من الذكر والأنثى ، وقد تقدم بيان تَكون اللؤلؤ في البحار في سورة الحج .

وقال الزجّاج : قد ذكرهما الله فإذا خرج من أحدهما شيء فقد خرج منهما وهو كقوله تعالى : { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً } [ نوح : 15 ، 16 ] ، والقمر في السماء الدنيا . وقال أبو علي الفارسي : هو من باب حذف المضاف ، أي من أحدهما كقوله تعالى : { على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] أي من إحداهما .

و { المرجان } : حيوان بحري ذو أصابع دقيقة ينشأ ليّناً ثُمَّ يتحجّر ويتلوّن بلون الحمرة ويتصلب كلما طال مكثه في البحر فيستخرج منه كالعروق تتخذ منه حلية ويسمى بالفارسية ( بسَذ ) . وقد تتفاوت البحار في الجيّد من مرجانها . ويوجد ببحر طَبرقَة على البحر المتوسط في شمال البلاد التونسية .

و { المرجان } : لا يخرج من ملتقى البحرين الملح والعذب بل من البحر الملح .

وقيل : المرجان اسم لصغار الدرّ ، واللؤلؤ كباره فلا إشكال في قوله منهما .

وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب { يخرج } بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول . وقرأ الباقون { يخرج بفتح الياء وضم الراء لأنهما إذا أخرجهما الغوّاصون فقد خرجا .

وبين قوله : { مرج } [ الرحمن : 19 ] وقوله : { والمرجان } الجناس المذيّل .