التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (35)

ثم صرحت لهم بما ستفعله معه فقالت : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون } . وقوله : { فَنَاظِرَةٌ } معطوف على { مُرْسِلَةٌ } وهو من الانتظار بمعنى الترقب .

أى : وإنى قد قررت أن أرسل إلى سليمان وجنوده هدية ثمينة تليق بالملوك أصحاب الجاه والقوة والسلطان ، وإنى لمنتظرة ماذا سيقول سليمان لرسلى عندما يرى تلك الهدية . وماذا سيفعل معهم .

قال ابن عباس : قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه ، وإن لم يقبلها فهو نبى فاتبعوه .

وقال قتادة : رحمها الله ورضى عنها ما كان أعقلها فى إسلامها وفى شركها ! ! لقد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (35)

روي أن بلقيس قالت لقومها إني أجرب هذا الرجل { بهدية } أعطيه فيها نفائس الأموال وأغرب عليه بأمور المملكة ، فإن كان ملكاً دنياوياً أرضاه المال فعملنا معه بحسب ذلك ، وإن كان نبياً لم يرضه المال ولازمنا في أمر الدين فينبغي أن نؤمن به ونتبعه على دينه ، فبعثت إليه { بهدية } عظيمة أكثر بعض الناس في تفصيلها فرأيت اختصار ذلك لعدم صحته ، واختبرت علمه فيما روي بأن بعثت إليه قدحاً فقالت : املأه لي ماء ليس من الأرض ولا من السماء ، وبعثت إليه درة فيها ثقب محلزق وقالت يدخل سلكها دون أن يقربها إنس ولا جان ، وبعثت أخرى غير مثقوبة وقالت يثقب هذه غير الإنس والجن ، فملأ سليمان القدح من عرق الخيل ، وأدخلت السلك دودة . وثقبت الدرة أرضة ماء ، وراجع سليمان مع رد الهدية بما في الآية وعبر عن «المرسلين »ب { جاء } وبقوله { ارجع } لما أراد به الرسول الذي يقع على الجمع والإفراد والتأنيث والتذكير ، وقرأ ابن مسعود » فلما جاؤوا سليمان وقرأ «ارجعوا » ، ووعيد سليمان لهم مقترن بدوامهم على كفرهم ، وذكر مجاهد أنها بعثت في هديتها بعدد كثير من العبيد بين غلام وجارية وجعلت زيهم واحداً وجربته في التفريق بينهم .

قال القاضي أبو محمد : وليس هذا بتجربة في مثل هذا الأمر الخطير .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (35)

والباء في { بهدية } باء المصاحبة . ومفعول { مرسلة } محذوف دل عليه وصف { مرسلة } وكون التشاور فيما تضمنه كتاب سليمان . فالتقدير : مرسلة إليهم كتاباً ووَفداً مصحوباً بهدية إذ لا بد أن يكون الوفد مصحوباً بكتاب تجيب به كتاب سليمان فإن الجواب عن الكتاب عادة قديمة ، وهو من سنن المسلمين ، وعدّ من حق المسلم على المسلم ، قال القرطبي : إذا ورد على إنسان في كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يَرد الجواب لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر . وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجباً كرد السلام اه . ولم أقف على حكم فيه من مذاهب الفقهاء . والظاهر أن الجواب إن كان عن كتاب مشتمل على صيغة السلام أن يكون رد الجواب واجباً وأن يشتمل على رد السلام لأن الرد بالكتابة يقاس على الرد بالكلام مع إلغاء فارق ما في المكالمة من المواجهة التي يكون ترك الرد معها أقرب لإلقاء العداوة .

ولم أر في كتب النبي صلى الله عليه وسلم جواباً عن كتاب إلا جوابه عن كتاب مسيلمة والسلام على من اتّبع الهدى .

والهدية : فعيلة من أهدى : فالهدية ما يعطَى لقصد التقرب والتحبب ، والجمع هَدايا على اللغة الفصحى ، وهي لغة سُفلَى مَعَدَ . وأصل هدايا : هدائيَ بهمزة بعد ألف الجمع ثم ياءٍ لأن فعيلة يجمع على فعائل بإبدال ياء فعيلة همزة لأنها حرف وقع في الجمع بعد حرف مدّ فلما وجدوا الضمة في حالة الرفع ثقيلة على الياء سكّنوا الياء طرداً للباب ثم قلبوا اليَاء الساكنة ألفاً للخفة فوقعت الهمزة بين ألفين فثقلت فقلبوها ياء لأنها مفتوحة وهي أخف ، وأما لغة سُفلى معدّ فيقولون : هَدَاوَى بقلب الهمزة التي بين الألفين واواً لأنها أخت الياء وكلتاهما أخت الهمزة .

و { ناظرة } اسم فاعل من نَظر بمعنى انتظَر ، أي مترقبةٌ ، فتكون جملة : { بم يرجع المرسلون } مبيّنة لجملة { فناظرة } ، أو مستأنفة . وأصل النظم : فناظرة ما يرجع المرسلون به ، فغير النظم لمَّا أريد أنها مترددة فيما يرجع به المرسلون . فالباء في قوله : { بم يرجع المرسلون } متعلقة بفعل { يرجع } قدمت على متعلَّقها لاقترانها بحرف ( ما ) الاستفهامية لأن الاستفهام له صدر الكلام .

ويجوز أن يكون { ناظرة } من النظر العقلي ، أي عالمة ، وتعلقَ الباء بفعل { يرجع } ، وعلى كلا الوجهين ف { ناظرة } معلَّق عن العمل في مفعوله أو مفعوليه لوجود الاستفهام ، ولا يجوز تعلق الباء ب { ناظرة } لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده فمن ثم غلطوا الحوفي في « تفسيره » لتعليقه الباء ب { ناظرة } كما في الجهة السادسة من الباب الخامس من « مغني اللبيب » .