فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (35)

ثم لما قدمت لهم هذه المقدمة وبينت لهم ما في دخول الملوك إلى أرضهم من المفسدة أوضحت لهم وجه الرأي عندها وصرحت لهم بصوابه فقالت :{ وإني مرسلة إليهم } أي إني أجرب هذا الرجل بإرسال رسلي إليه { بهدية } مشتملة على نفائس الأموال فإن كان ملكا أرضيناه بذلك وكفينا أمره وإن كان نبيا لم يرضه ذلك لأن غاية مطلبه ومنتهى أربه هو الدعاء إلى الدين فلا ينجينا منه إلا إجابته ومتابعته والتدين بدينه وسلوك طريقته و لهذا قالت :

{ فناظرة بم يرجع المرسلون } بالهدية من قبول أو رد ، فعاملة بما يقتضيه ذلك ، وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة عاقلة ، قد ساست الأمور وجربتها وقد طول المفسرون في ذكر هذه الهدية .

قال ابن عباس : أرسلت بلبنة من ذهب فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب ، فذلك قوله { أتمدونن بمال } الآية . وقال ثابت البناني : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج . وقال مجاهد : أهدت جواري لباسهن لباس الغلمان ، وغلمانا لباسهم لباس الجواري ، وقال عكرمة : أهدت مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية ، وعلى كل فرس لون ليس على الآخر . وقال سعيد ابن جبير : كانت الهدية جواهر ، وقيل : غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره .