الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (35)

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإني مرسلة إليهم بهدية } قال : أرسلت بلبنة من ذهب ، فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله { أتمدوننِ بمال } .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت إني باعثة إليهم بهدية ، فمصانعتهم بها عن ملكي أن كانوا أهل دنيا .

فبعثت إليهم بلبنة من ذهب في حرير وديباج ، فبلغ ذلك سليمان ، فأمر بلبنة من ذهب فصنعت ، ثم قذفت تحت أرجل الدواب على طريقهم تبول عليها وتروث ، فلما جاء رسلها واللبنة تحت أرجل الدواب ، صغر في أعينهم الذي جاؤوا به .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت البناني قال : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج . فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن ، فموّهوا له الآجر بالذهب ، ثم أمر به ، فألقي في الطريق . فلما جاؤوا ورأوه ملقى في الطريق وفي كل مكان قالوا : جئنا نحمل شيئاً نراه ههنا ملقى ما يلتفت إليه . فصغر في أعينهم ما جاؤوا به .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإني مرسلة إليهم بهدية } قال : جوار لباسهن لباس الغلمان ، وغلمان لباسهن لباس الجواري .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : أرسلت بثمانين من وصيف ووصيفة ، وحلقت رؤوسهم كلهم ، وقالت : إن عرف الغلمان من الجواري فهو نبي ، وإن لم يعرف الغلمان من الجواري فليس بنبي . فدعا بوضوء فقال : توضئوا . فجعل الغلام يأخذ من مرفقيه إلى كفيه ، وجعلت الجارية تأخذ من كفها إلى مرفقها فقال : هؤلاء جوار وهؤلاء غلمان .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : كانت هدية بلقيس لسليمان مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية . الغلمان والجواري على هيئة واحدة ، لا يعرف الجواري من الغلمان ، ولا الغلمان من الجواري . على كل فرس لون ليس على الآخر وكانت أول هديتهم عند سليمان وآخرها عندها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : الهدية . وصفان ، ووصائف ، ولبنة من ذهب .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانت الهدية . جواهر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : إن الهدية لما جاءت سليمان بين الغلمان والجواري امتحنهم بالوضوء . فغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها ، وغسلت الجواري بطون السواعد قبل ظهورها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : قالت : إن هو قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه دون ملككم ، وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله . فبعثت إليه بهدية غلمان في هيئة الجواري وحليهم ، وجوار في هيئة الغلمان ولباسهم ، وبعثت إليه بلبنات من ذهب ، وبخرزة مثقوبة مختلفة ، وبعثت إليه بقدح ، وبعثت إليه تعلمه . فلما جاء سليمان الهدية أمر الشياطين ، فموّهوا لبن المدينة وحيطانها ذهباً وفضة ، فلما رأى ذلك رسلها قالوا : أين نذهب باللبنات في أرض هؤلاء وحيطانهم ذهب وفضة ؟ ! فحسبوا اللبنات وأدخلوا عليه ما سوى ذلك وقالوا : أخرج لنا الغلمان من الجواري .

فأمرهم فتوضأوا ، وأخرج الغلمان من الجواري . أما الجارية فأفرغت على يدها ، وأما الغلام فاغترف ، وقالوا : ادخل لنا في هذه الخرزة خيطاً . فدعا بالدساس فربط فيه خيطاً فأدخله فيها ، فجال فيها واضطرب حتى خرج من الجانب الآخر . وقالوا : املأ لنا هذا القدح بماء ليس من الأرض ولا من السماء . فأمر بالخيل فأجريت حتى إذا اربدت مسح عرقها فجعله فيه حتى ملأه . فلما رجعت رسلها فأخبروها : أن سليمان رد الهدية . وفدت إليه وأمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات وغلقت عليها فأخذت المفاتيح . فلما بلغ سليمان ما صنعت بعرشها { قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } .