التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

ثم يأمر الله - تعالى - نبيه أن يعلن للناس منهجه فى دعوته فيقول : { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ . . } .

والمراد بالبلدة الذى حرمها : مكة المكرمة التى عظم الله - تعالى - حرمتها ، فجعلها حرما آمنا ، لا يسفك فيها دم ، ولا يصاد فيها صدم ، ولا يعضد فيها شجر . وقوله : { الذي حَرَّمَهَا } صفة للرب .

وخصت مكة بالذكر : تشريفا لها ، ففيها البيت الحرام الذى هو أول بيت وضع فى الأرض .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس : إن الله - تعالى - أمرنى أن أخلص لله - سبحانه - عبادتى ، فهو رب البلد الحرام مكة ، ورب كل شىء ، وله جميع ما فى هذا الكون خلقا ، وملكا ، وتصرفا .

{ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن } أى : وأمرنى كذلك أن أكون من الثابتين على دينه ، المنقادين لأمره ، المسلمين له وجوههم ،

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

وقوله { إنما أمرت } بمعنى قل يا محمد لقومك { إنما أمرت } ، و { البلدة } المشار إليها مكة ، وقرأ جمهور الناس » الذي حرمها « ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود » التي حرمها «وأضاف في هذه الآية التحريم إلى الله تعالى من حيث ذلك بقضائه وسابق علمه وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبراهيم في قوله

«إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة »{[9095]} ، من حيث كان ظهور ذلك بدعائه ورغبته وتبليغه لأمته فليس بين الآية والحديث تعارض ، وفي قوله { حرمها } تعديد نعمته على قريش في رفع الله تعالى عن بلدهم الغارات والفتن الشائعة في جميع بلاد العرب ، وقوله { وله كل شيء } معناه بالملك والعبودية ، وقرأ جمهور الناس «أن أتلو » عطفاً على قوله { أن أكون } .


[9095]:أخرجه البخاري في الجهاد والمدينة والبيوع والأنبياء والمغازي والأطعمة والدعوات والاعتصام، ومسلم في الحج، وأبو داود في المناسك، والترمذي في المناقب، والنسائي في الحج، وابن ماجه في المناسك، والموطأ في المدينة، وأحمد في المسند في مواطن كثيرة، ولفظه كما في المسند (1-119) عن أبي حسان أن عليا رضي الله عنه كان يأمر بالأمر فيؤتى فيقال: قد فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق الله ورسوله، قال: فقال له الأشتر: إن هذا الذي تقوله قد تفشغ في الناس (انتشر) أفشيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال علي رضي الله عنه: ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا خاصة دون الناس، إلا شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة، قال: فإذا فيها: (من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)، قال: وإذا فيها: (إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم المدينة، حرام ما بين حرتيها وحماها كله، لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشار بها. ولا تقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال)، قال: وإذا فيها: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده).