التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

ثم بين لهم - سبحانه - بعد ذلك هوان أمرهم . وتفاهة شأنهم بالنسبة لمن سبقوهم ، فقال : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } .

والمعشار بمعنى العشر وهو لغة فيه . تقول : عندى عشر يدنار ومعشار دينار ، قال أبو حيان : والمعشار مفعال من العشر ، ولم يبين على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع . ومعناهما : العشر والربع . .

والضمير فى قوله { وَمَا بَلَغُواْ } يعود لكفار مكة ، وقوله : { مَآ آتَيْنَاهُمْ } وفى قوله : { فَكَذَّبُواْ رُسُلِي } يعود إلى الأمم السابقة .

والنكير : مصدر كالإِنكار ، وهو من المصادر التى جاءت على وزن فعيل .

والمعنى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لتكذيب قومك لك ، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم ، وإن قومك لم يبلغوا من القوة والغنى والكثرة . . عشر ما اكن عليه سابقوهم ، ولكن لما كذب أولئك السابقون أنبياءهم ، أخذتهم أخذ عزيز مقتدر ، بأن دمرناهم جميعا .

والاستفهام فى قوله - تعالى - { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } للتهويل . والجملة الكريمة معطوفة على مقدر والمعنى : فحين تمادوا فى تكذيب رسلى ، جاءهم إنكارى بالتدمير ، فكيف كان إنكارى عليهم بالتدمير والإهلاك ؟ لقد كان شيئا هائلا فظيعا تركهم فى ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ، فعلى قومك أن يحذروا من أن يصيبهم مثله .

وجعل - سبحانه - التدمير إنكارا ، تنزيلا للفعل منزلة القول ، كما فى قول بعضهم : ونشتم بالأفعال لا بالتكلم .

ويرى بعضهم أن الضمير فى قوله { وَمَا بَلَغُواْ } يعود على الذين من قبلهم ، وفى قوله { آتَيْنَاهُمْ } يعود إلى كفار مكة .

وقد رجح الإِمام الرازى هذا الرأى فقال ما ملخصه : قال المفسرون : معنى الآية : ما بلغ هؤلاء المشركون معشار ما آتينا المتقدمين . . ثم إن الهل أخذ هؤلاء المتقدمين دون أن تنفعهم قوتهم ، لما كذبوا رسلهم ، فكيف حال هؤلاء الضعفاء - وهم قومك .

ثم قال - رحمه الله - : وعندى وجه آخر فى معنى الآية ، وهو أن يقال : وكذب الذين من قبلهم ، وما بلغوا معشار ما آتيناهم ، أى : الذين من قبلهم ما بلغوا معشار ما آتينا قومك من البيان والبرهان .

وذلك لأن كتابك يا محمد أكمل من سائر الكتب .

فإذا كنت قد أنكرت على المتقدمين لما كذبوا رسلهم - مع أنهم لم يؤتوا معشار ما أوتى قومك من البيان - ، فكيف لا أنكر على قومك بعد تكذيبهم لأوضح الكتب ، وأفصح الرسل . .

ويبدو لنا أن المعنى الأول الذى عبر عنه الإِمام الرازى بقوله : قال المفسرون ، هو الأرجح لأنه هو المتبادر من معنى الآية الكريمة ، لأنه يفيد التقليل من شأن مشركى مكة ، بالنسبة لمن سبقهم من الأمم ، من ناحية القوة والغنى .

وفى القرآن الكريم آيات متعددة هذا المعنى ، منها قوله - تعالى - : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرض وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

وبعد هذا الحديث عن أقوال المشركين فى شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى شأن القرآن . . وبعد هذا الرد الملزم لهم والمزهق لباطلهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

ثم مثل لهم بالأمم المكذبة قبلهم ، وقوله { وما بلغوا معشار ما آتيناهم } يحتمل ثلاثة معان : أحدها أن يعود الضمير في { بلغوا } على قريش ، وفي { آتيناهم } على الأمم { الذين من قبلهم } ، والمعنى من قوة والنعم والظهور في الدنيا ، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد ، والثاني أن يعود الضمير في { بلغوا } على الأمم المتقدمة وفي { آتيناهم } على قريش ، والمعنى من الآيات والبينات والنور الذي جئتهم به ، والثالث أن يعود الضميران على الأم المتقدمة ، والمعنى من شكر النعمة وجزاء المنة و «المعشار » ، ولم يأت هذا البناء إلا في العشرة والأربعة فقالوا : مرباع ومعشار وقال قوم : المعشار عشر العشر .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ليس بشيء ، والنكير مصدر كالإنكار في المعنى وكالعديد في الوزن وسقطت الياء منه تخفيفاً لأنها آخر آية ، و { كيف } تعظيم للأمر وليست استفهاماً مجرداً ، وفي هذا تهديد لقريش أي أنّهم معرضون لنكير مثله .