التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

وقوله - سبحانه - : { وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } . بيان للعذاب المعد للمشركين المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم بعد بيان العقاب الذى حل بالسابقين .

والمراد بالصحية هنا : النفخة الثانية التى ينفخها إسرافيل فى الصور ، فيقوم الخلائق من قبورهم للحساب والجزاء .

وقيل المراد بها النفخة الأولى ، وضعف هذا القول بأنهم لن يكونوا موجودين وقتها حتى يصعقوا بها . .

وينظرون هنا بمعنى ينتظرون . وجعلهم - سبحانه - منتظرين للعقاب مع أنهم لم ينتظروه على سبيل الحقيقة لإِشعار بتحقق وقوعه ، وأنهم بصدد لقائه ، فهم لذلك فى حكم المنتظرين له .

أى : وما ينتظر هؤلاء المشركون الذين هم أمثال المهلكين من قبلهم ، { إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً } أى : نفخة واحدة ينفخا إسرافيل { فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } وهذه النفخة { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } أى : ليس لها من توقف وانتظار حتى ولو بمقدار فواق ناقة وهو الزمن الذى يكون بين الحلبتين ، أو الزمن الذى يكون فيه رجوع اللبن فى الضرع بعد الحلب .

والمقصود بيان أن هذه الصيحة سريعة الوقوع ، وأنها لن تتأخر عن وقتها ، وأنها صيحة واحدة فقط يتم بعدها كل شئ يتعلق بالبعث والجزاء .

قال الجمل فى حاشيته ما ملخصه : قوله : { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } يجوز أن يكون قوله { لها } رافعا لقوله : { مِن فَوَاقٍ } على الفاعلية لاعتماده على النفى . وأن يكون جملة من مبتدأ وخبر ، وعلى التقديرين فالجملة المنفية صفة لصيحة ، ومن مزيدة . .

والفواق - بفتح الفاء وضمها - الزمان الذى بين حلبتى الحالب ورضعتى الراضع - والمعنى : ما لها من توقف قدر فواق ناقة . وفى الحديث : " العيادة قدر فوق ناقة " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

{ ينظر } بمعنى ينتظر ، وهذا إخبار من الله لرسوله صدقه الوجود ، ف «الصيحة » على هذا عبارة عن جميع ما نابهم من قتل وأسر وغلبة ، وهذا كما تقول : صاح فيهم الدهر . وقال قتادة : توعدهم بصيحة القيامة والنفخ في الصور . قال الثعلبي : روي هذا التفسير مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقالت طائفة : توعدهم بصيحة يهلكون بها في الدنيا ، وعلى هذين التأويلين فمعنى الكلام أنهم بمدرج عقوبة وتحت أمر خطير ، ما ينتظرون فيه إلا الهلكة ، وليس معناه التوعد بشيء معين ينتظره محمد فيه كالتأويل الأول .

وقرأ جمهور القراء : «فَواق » بفتح الفاء . وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش وأبو عبد الرحمن : «فُواق » بضم الفاء . قال ابن عباس وغيره : هما بمعنى واحد ، أي ما لها من انقطاع وعودة ، بل هي متصلة حتى تهلكهم ، ومنه فواق الحلب : المهلة التي بين الشخبتين : وجعلوه مثل قصاص الشعر وقصاص وغيره ذلك ، ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من رابط فوق ناقة حرم الله جسده على النار » وقال ابن زيد وأبو عبيدة ومؤرج والفراء : المعنى مختلف : الضم كما تقدم من معنى فواق الناقة ، والفتح بمعنى الإفاقة ، أي ما يكون لهم بعد هذه الصيحة إفاقة ولا استراحة ، ف «فواق » : مثل جواب ، من أجاب .