التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان رحمته ورأفته بعباده فقال : { يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } .

أى : يريد الله بما شرعه لكم من أحكام ، وبما كلفكم به من تكاليف هى فى قدرتكم واستطاعتكم أن يخفف عنكم فى شرائعه وأوامره ونواهيه ، لكى تزدادوا له فى الطاعة والاستجابة والشكر .

{ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } أى لا يصبر على مشاق الطاعات ، فكان من رحمة الله - تعالى - به أن خفف عنه فى التكاليف .

وهذا السير والتخفيف فى التكاليف من أبرز مميزات الشريعة الإِسلامية ، وقد بين القرآن الكريم ذلك فى كثير من آياته ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر } وقوله - تعالى - { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ } وقوله - تعالى -

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } ولقد كان من هدى النبى صلى الله عليه وسلم التخفيف والتيسير ، ففى الحديث الشريف : " إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " .

وكان من وصاياه لمعاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرى عندما أرسلهما إلى اليمن " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت لنا الوانا من مظاهر فضل الله على عباده ورحمته بهم ، لكى يزدادوا له شكرا وطاعة وخضوعا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

وقوله تعالى : { يريد الله أن يخفف عنكم } المقصد الظاهر بهذه الآية أنها في تخفيف الله تعالى ترك نكاح الإماء بإباحة ذلك ، وأن إخباره عن ضعف الإنسان إنما هو في باب النساء ، أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ، وكذلك قال مجاهد وابن زيد وطاوس ، وقال طاوس : ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء .

قال القاضي أبو محمد : ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية في مخرج التفضل ، لأنها تتناول كل ما خفف الله تعالى عن عباده ، وجعله الدين يسراً ، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاماً ، حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب و { الإنسان } رفع على ما لم يسم فاعله ، و { ضعيفاً } حال ، وقرأ ابن عباس ومجاهد «وخَلقَ الإنسان » على بناء الفعل للفاعل و { ضعيفاً } حال أيضاً على هذه القراءة ويصح أن يكون { خلق } بمعنى جعل ، فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى مفعولين ، فيكون قوله { ضعيفاً } مفعولاً ثانياً .