التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

ثم لفتة أخرى إلى النفس البشرية ، قال - تعالى - : { وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } .

أى : وفى أنفسكم وذواتكم وخلقكم . . . أفلا تبصرون إبصار تذكر واعتبار ، فإن فى خلقكم من سلالة من طين ، ثم جعلكم نطفة فعلقة فمضغة فخلقا آخر ، ثم فى رعايتكم فى بطون أمهاتكم . ثم فى تدرجكم من حال إلى حال ، ثم فى اختلاف ألسنتكم وألوانكم ، ثم فى التركيب العجيب الدقيق لأجسادكم وأعظائكم . ثم فى تفاوت عقولكم وأفهامكم واتجاهاتكم .

فى كل ذلك وغيره ، عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين .

ورحم الله صاحب الكشاف ، فقد قال عند تفسيره لهاتين الآيتين { وَفِي الأرض آيَاتٌ } تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره ، حيث هى مدحوّة كالبساط . . . وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها ، والماشين فى مناكبها .

وهى مجزأة : فمن سهل وجبل ، وبر وبحر ، وقطع متجاورات : من صلبة ورخوة ، وطيبة وسبخة ، وهى كالطروقة تلقح بألوان النبات . . . وتسقى بماء واحد ، ونفضل بعضها على بعض فى الأكل ، وكلها موافقة لحوائج ساكنيها .

فى كل ذلك آيات { لِّلْمُوقِنِينَ } أى : للموحدين الذين سلكوا الطريق السوى . . . فازدادوا إيمانا على إيمانهم .

{ وفي أَنفُسِكُمْ } فى حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال ، وفى بواطنها وظواهرها ، من عجائب الفطر . وبدائع الخلق ، ما تتحير فيه الأذهان ، وحسبك بالقلوب ، وما ركز فيها من العقول ، وخصت به من أصناف المعانى ، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف ، وما فى تركيبها وترتيبها وطلائفها : من الآيات الدالة على حكمة المدبر .

. . فتبارك الله أحسن الخالقين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (21)

وقوله تعالى : { وفي أنفسكم } إحالة على النظر في شخص الإنسان فإنه أكثر المخلوقات التي لدينا عبرة لما جعل الله فيه مع كونه من تراب من لطائف الحواس ومن أمر النفس وجهاتها ونطقها ، واتصال هذا الجزء منها بالعقل ، ومن هيئة الأعضاء واستعدادها لتنفع أو تجمل أو تعين . قال ابن زيد : إنما القلب مضغة في جوف ابن آدم جعل الله فيه العقل ، أفيدري أحد ما ذاك العقل ؟ وما صفته ؟ وكيف هو ؟ وقال الرماني : النفس خاصة : الشيء التي لو بطل ما سواها مما ليست مضمنة به لم تبطل ، وهذا تعمق لا أحمده . وقوله : { أفلا تبصرون } توقيف وتوبيخ .