وقوله - سبحانه - : { يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا . . . } مقول لقول محذوف ، دل عليه ما قبله .
والمعشر - برنة مفعل - اسم للجمع الكثير الذى يعد عشرة فعشرة .
وقوله : { تَنفُذُواْ } من النفاذ بمعنى الخروج من الشىء ، والأمر منه وهو قوله : { فانفذوا } مستعمل فى التعجيز . والأقطار : جمع قطر - بضم القاف وسكون الطاء - وهو الناحية الواسعة .
والمعنى : سنقصد إلى محاسبتكم ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة ، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدى . يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السموات والأرض ومن نواحيهما المتعددة . فانفذوا واخرجوا ، و خلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة .
وجملة : { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } بيان للتعجيز المتمثل فى قوله - تعالى - : { فانفذوا } ، والسلطان المراد به هنا : القدرة والقوة .
أى : لا تنفذون من هذا الموقف العصيب الذى أنتم فيه إلا بقدرة عظيمة ، وقوة خارقة ، تزيد على قوة خالقكم الذى جعلكم فى هذا الموقف ، وأنى لكم هذه القوة التى أنتم أبعد ما تكونون عنها ؟
فالمقصود بالآية الكريمة ، تحذير الفاسقين والكافرين ، من التمادى فى فسقهم وكفرهم ، وبيان أنهم سيكونون فى قبضة الله - تعالى - وتحت سلطانه ، وأنهم لن يستطيعوا الهروب ن قبضته وقضائه فيهم بحمكه العالد .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { فَإِذَا بَرِقَ البصر وَخَسَفَ القمر وَجُمِعَ الشمس والقمر يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر كَلاَّ لاَ وَزَرَ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر
يا معشر الجن والأنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه فانفذوا فاخرجوا لا تنفذون لا تقدرون على النفوذ إلا بسلطان إلا بقوة وقهر وأنى لكم ذلك أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السموات والأرض فانفذوا لتعلموا لكن لا تنفذون ولا تعلمون إلا ببينة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم .
هذا مقول قول محذوف يدل عليه سياق الكلام السابققِ واللاحق ، وليس خطاباً للإِنس والجنّ في الحياة الدنيا . والتقدير : فنقول لكم كما في قوله تعالى : { ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس } [ الأنعام : 128 ] الآية ، أي فنقول : يا معشر الجن قد استكثرتم من الإِنس ، وتقدم في سورة الأنعام .
والمعشر : اسم للجمع الكثير الذي يُعد عشرةً عشرةً دون آحاد .
وهذا إعلان لهم بأنهم في قبضة الله تعالى لا يجدون منجىً منها ، وهو ترويع للضالين والمضلّين من الجن والإِنس بما يترقبهم من الجزاء السيّء لأن مثل هذا لا يقال لجمع مختلط إلا والمقصود أهل الجناية منهم فقوله : { يا معشر الجن والإنس } عام مراد به الخصوص بقرينة قوله بعده { يرسل عليكما شواظ } [ الرحمن : 35 ] الخ .
والنفوذ والنفاذ : جواز شيء عن شيء وخروجُه منه . والشرط مستعمل في التعجيز ، وكذلك الأمر الذي هو جواب هذا الشرط من قوله : { فانفذوا } ، أي وأنتم لا تستطيعون الهروب .
والمعنى : إن قَدَرْتُم على الانفلات من هذا الموقف فافلتوا . وهذا مؤذن بالتعريض بالتخويف مما سيظهر في ذلك الموقف من العقاب لأهل التضليل .
والأقطار : جمع قُطر بضم القاف وسكون الطاء وهو الناحية الواسعة من المكان الأوسع ، وتقدم في قوله تعالى : { ولو دخلت عليهم من أقطارها } في سورة الأحزاب ( 14 ) .
وذكر السماوات والأرض لتحقيق إحاطة الجهات كلها تحقيقاً للتعجيز ، أي فهذه السماوات والأرض أمامكم فإن استطعتم فاخرجوا من جهة منها فراراً من موقفكم هذا ، وذلك أن تعدد الأمكنة يسهل الهروب من إحدى جهاتها .
والأرض المذكورة هنا إما أن تكون الأرض التي في الدنيا وذلك حين البعث ، وإما أن تكون أرض الحشر وهي التي سماها القرآن الساهرة في سورة النازعات ( 14 ) ، وقال تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] ، وإما أن يكون ذلك جارياً مجرى المثل المستعمل للمبالغة في إحاطة الجهات كقول أبي بكر الصديق : « أيُّ أرض تقلني ، وأيُّ سماء تُظلني » .
وهذه المعاني لا تتنافى ، وهي من حدّ إعجاز القرآن .
وجملة { لا تنفذون إلاَّ بسلطان } بيان للتعجيز الذي في الجملة قبله فإن السلطان : القدرة ، أي لا تنفذون من هذا المأزق إلا بقدرة عظيمة تفوق قدرة الله الذي حشركم لهذا الموقف ، وأنَّى لكم هاته القوة .
وهذا على طريق قوله : { وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون } [ الشعراء : 210 ، 211 ] ، أي ما صعدوا إلى السماء فيتنزَّلوا به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.