وقوله - سبحانه - : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } استئناف فى جواب سؤال مقدر عما سيصيبهم إذا ما حاولوا الفرار .
والشواظ : اللهب الذى لا يخالطه دخان ، لأنه قد تم اشتعاله فصار أشد إحراقا .
والنحاس : المراد به هنا الدخان الذى لا لهب فيه ، ويصح أن يراد به : الحديد المذاب . أى : أنتم لا تستطيعون الهرب من قبضتنا بأى حال من الأحوال ، وإذا حاولتم ذكل ، أرسلنا عليكم وصببنا على رءوسكم لهبا خالصا فأحرقكم ، ودخانا لا لهب معه فكتم أنفاسكم ، وفى هذه الحالة لا تنتصران ، ولا تبلغان ما تبغيانه ، ولا تجدان من يدفع عنكم عذابنا وبأسنا .
هذا والمتأمل فى تلك الآيات الكريمة . يراها قد صورت بأسلوب بديع تفرد الله - تعالى - بالملك والبقاء ، وافتقار الخلائق جميعا إلى عطائه ، وأنهم جميعا فى قبضته ، ولن يستطيعوا الهروب من حكمه فيهم .
والشواظ : لهب النار . قاله ابن عباس وغيره . وقال أبو عمرو بن العلاء : لا يكون الشواظ إلا من النار وشيء معها ، وكذلك النار كلها لا تحس إلا وشيء معها . وقال مجاهد : الشواظ ، هو اللهب الأخضر المتقطع ، ويؤيد هذا القول . قول حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت :
هجوتك فاختضعت حليفا ذل . . . بقاقية تؤجج كالشواظ{[10832]}
وقال الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من اللهب وليس بدخان الحطب .
وقرأ الجمهور : «شُواظ » بضم الشين . وقرأ ابن كثير وحده{[10833]} وشبل وعيسى : «شِواظ » بكسر الشين وهما لغتان .
وقال ابن عباس وابن جبير : النحاس الدخان ، ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]
تضيء كضوء سراج السليط . . . لم يجعل الله فيه نحاسا{[10834]}
السليط دهن السراج . في النسخ التي بأيدينا دهن الشيرج .
وقرأ جمهور القراء : «ونحاسٌ » بالرفع عطفاً على { شواظ } ، فمن قال إن النحاس : هو المعروف ، وهو قول مجاهد وابن عباس أيضاً قال يرسل عليهما نحاس : أي يذاب ويرسل عليهما . ومن قال هو الدخان ، قال ويعذبون بدخان يرسل عليهما . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والنخعي وابن أبي إسحاق : «ونحاسٍ » بالخفض عطفاً على { نار } ، وهذا مستقيم على ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء . ومن رأى الشواظ يختص بالنار قدر هنا : وشيء من نحاس . وحكى أبو حاتم عن مجاهد أنه قرأ : «ونِحاسٍ » بكسر النون والجر . وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قرأ : «ونَحُسّ » بفتح النون وضم الحاء والسين المشددة ، كأنه يقول : ونقتل بالعذاب{[10835]} . وعن أبي جندب أنه قرأ : «ونحس » ، كما تقول : يوم نحس ، وحكى أبو عمرو مثل قراءة مجاهد عن طلحة بن مصرف ، وذلك لغة في نحاس ، وقيل هو جمع نحس .
ومعنى الآية : مستمر في تعجيز الجن والإنس ، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا ينتصر .
استئناف بياني عن جملة { إن استطعتم أن تنفذوا } [ الرحمن : 33 ] الخ لأن ذلك الإِشعار بالتهديد يثير في نفوسهم تساؤلاً عمّا وَراءه .
وضمير { عليكما } راجع إلى الجنّ والإِنس فهو عام مراد به الخصوص بالقرينة ، وهي قوله بعده : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] الآيات . وهذا تصريح بأنهم معاقبون بعد أن عُرض لهم بذلك تعريضاً بقوله : { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا } [ الرحمن : 33 ] .
ومعنى { يرسل عليكما } أن ذلك يعترضهم قبل أن يَلجوا في جهنم ، أي تقذفون بشُواظ من نار تعجيلاً للسوء . والمضارع للحال ، أي ويرسل عليكما الآن شواظ .
والشواظ بضم الشين وكسرها : اللهب الذي لا يخالطه دخان لأنه قد كمل اشتعاله وذلك أشد إحراقاً . وقرأه الجمهور بضم الشين . وقرأه ابن كثير بكسرها .
والنّحاس : يطلق على الدخان الذي لا لهب معه . وبه فسر ابن عباس وسعيد بن جبير وتبعهما الخليل .
والمعنى عليه : أن الدخان الذي لم تلحقهم مضرته والاختناق به بسبب شدة لهب الشواظ يضاف إلى ذلك الشواظ على حياله فلا يفلتون من الأمرينِ .
ويطلق النحاس على الصُّفْر وهو القِطر . وبه فسر مجاهد وقتادة ، وروي عن ابن عباس أيضاً . فالمعنى : أنه يصبّ عليهم الصُّفْر المُذاب .
وقرأ الجمهور { ونحاس } بالرفع عطفاً على { شواظ } . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وروْح عن يعقوب مجروراً عطفاً على { نار } فيكون الشواظ منه أيضاً ، أي شواظ لهب من نار ، ولهب من نحاس ملتهب . وهذه نار خارقة للعادة مثل قوله تعالى : { وقودها الناس والحجارة } [ البقرة : 24 ] .
ومعنى { فلا تنتصران } : فلا تجدان مخلصاً من ذلك ولا تجدان ناصراً .
والناصر : هنا مراد منه حقيقته ومجازه ، أي لا تجدان من يدفع عنكما ذلك ولا ملجأ تتّقيان به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.