ثم حكى - سبحانه - فى نهاية القصة ما حل بهؤلاء المجرمين من عذاب فقال : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ . مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ } .
أى : " فلما أمرنا " بإهلاك هؤلاء القوم المفسدين { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أى : جعلنا أعلى بيوتهم أسفلها ، بأن قلبناها عليهم ، وهى عقوبة مناسبة لجريمتهم حيث قلبوا فطرتهم ، فأتوا الذكران من العالمين ؛ وتركوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم . . .
وقوله : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } زيادة فى عقوبتهم ولعنهم .
أى : جعلنا أعلى قراهم أسفلها ، وأمطرنا عليها حجارة { مِّن سِجِّيلٍ } أى : من حجر وطين مختلط ، قد تجحر وتصلب { مَّنْضُودٍ } أى : متتابع فى النزول بدون انقطاع موضوع بعد على بعض ، من النضد وهو وضع الأشياء بعضها إلى بعض .
{ فلما جاء أمرنا } . عذابنا أو أمرنا به ، ويؤيده الأصل وجعل التعذيب مسببا عنه بقوله : { جعلنا عاليها سافلها } فإنه جواب لما وكان حقه : جعلوا عاليها سافلها أي الملائكة المأمورون به ، فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب تعظيما للأمر فإنه روي : ( أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم ) . { وأمطرنا عليها } على المدن أو على شذاذها . { حجارة من سجّيل } من طين متحجر لقوله : { حجارة من طين } وأصله سنك كل فعرب . وقيل إنه من أسجله إذا أرسله أو أدر عطيته ، والمعنى من مثل الشيء المرسل أو من مثل العطية في الإدرار ، أو من السجل أي مما كتب الله أن يعذبهم به وقيل أصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لاماً . { منضود } نضد معدا لعذابهم ، أو نضد في الإرسال بتتابع بعضه بعضا كقطار الأمطار ، أو نضد بعضه على بعض وألصق به .
روي أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط واقتلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا صراخ الديكة ونباح الكلاب ، ثم أرسلها معكوسة ، وأتبعهم الحجارة من السماء ، وروي أن جبريل عليه السلام أخذهم بخوافي جناحه{[6455]} : ويروى أن مدينة منها نجيت كانت مختصة بلوط عليه السلام يقال لها : زغر{[6456]} .
و { أمرنا } في هذه الآية يحتمل أن يكون مصدراً من أمر ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره مقتضى أمرنا ، ويحتمل أن يكون واحد الأمور ، والضمير في قوله : { عاليها سافلها } للمدن ، وأُجري { أمطرنا } عليها كذلك ، والمراد على أهلها ، وروي أنها الحجارة استوفت منهم من كانوا خارج مدنهم حتى قتلتهم أجمعين . وروي أنه كان منهم في الحرم رجل فبقي حجره معلقاً في الهواء حتى خرج من الحرم فقتله الحجر ، و «أمطر » أبداً إنما يستعمل في المكروه ، ومطر يستعمل في المحبوب ، هذا قول أبي عبيدة .
قال القاضي أبو محمد : وليس كذلك وقوله تعالى : { هذا عارض ممطرنا }{[6457]} يرد هذا القول لأنهم إنما ظنوه معتاد الرحمة ، وقوله { من سجيل } اختلف فيه : فقال ابن زيد : { سجيل } : اسم السماء الدنيا .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، ويرده وصفه ب { منضود } . وقالت فرقة هو مأخوذ من لفظ السجل{[6458]} ، أي هي من أمر كتب عليهم .
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد ، وقالت فرقة : هو مأخوذ من السجل إذا أرسل الشيء كما يرسل السجل وكما تقول : قالها مسجلة{[6459]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وقالت فرقة : { من سجيل } معناه : من جهنم لأنه يقال : سجيل وسجين حفظ فيها بدل النون لاماً ، كما قالوا : ُأصيلال وُأصيلان{[6460]} . وقالت فرقة : { سجيل } معناه : شديد وأنشد الطبري في ذلك [ ابن مقبلٍ ] :
. . . . . . . . *** ضرباً تواصى به الأبطال سجيلا{[6461]}
والبيت في قصيدة نونية : سجينا ، وقالت فرقة : { سجيل } لفظة أصلها غير عربية عربت أصلها سنج وكل{[6462]} . وقيل غير هذا في أصل اللفظة . ومعنى هذا اللفظ ماء وطين . هذا قول ابن عباس ومجاهد وابن جبير وعكرمة والسدي وغيرهم ، وذهبت هذه الفرقة إلى أن الحجارة التي رموا بها كانت كالآجر المطبوخ{[6463]} كانت من طين قد تحجر - نص عليه الحسن - .
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول يشبه . وهو الصواب الذي عليه الجمهور . وقالت فرقة : معنى { سجيل } حجر مخلوط بطين أي حجر وطين . قال القاضي أبو محمد : ويمكن أن يرد هذا إلى الذي قبله ، لأن الآجر وما جرى مجراه يمكن أن يقال فيه حجر وطين لأنه قد أخذ من كل واحد منهما بحظه . هي طين من حيث هو أصلها . وحجر من حيث صلبت .
و { منضود } معناه بعضه فوق بعض .
أي تتابع ؛ وهي صفة ل { سجيل } وقال الربيع بن أنس : «نضده » : إنه في السماء منضود معد بعضه فوق بعض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.