التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذا النداء للؤمنين فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا . . . } .

أى : يامن آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، اتقوا الله فى كل ما تأتون وما تذرون ، وداوموا على الإيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم - واثبتوا على ذلك .

{ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أى : يعطكم بسبب ذلك نصيبين وضعفين من رحمته - سبحانه - وفضله .

وأصل الكفر - كما يقول القرطبى - كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط . . . أى يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصى ، كما يحفظ الكفل الراكب من السقوط .

{ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } أى : ويجعل لم بفضله نورا تمشون به يوم القيامة . كما قال - تعالى - : { يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أى : ما فرط منكم من ذنوب ، بأن يزيلها عنكم .

{ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى : واسع المغفرة والرحمة لمن انقاه وأطاعه .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وعد المؤمنين على تقواهم وعلى إيمانهم برسوله ، أن يؤتيهم نصيبين من رحمته . . . وأن يجعل لهم نورا يمشون به ، فيهديهم إلى ما يسعدهم فى كل شئونهم ، وأن يغفر لهم ما سبق من ذنوبهم . . . فضلا منه وكرما .

قالوا : وأعطى الله - تعالى - للمؤمنين نصيبين من الأجر ، لأن أولهما بسبب إيمانهم بالرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وثانيهما : بسبب إيمانهم بالرسل السابقين ، كما أعطى مؤمنى أهل الكتاب نصيبين من الأجر : أحدهما للإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والثانى للإيمان - بعيسى - عليه السلام - الذى نسخت شريعته بالشريعة المحمدية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

يا أيها الذين آمنوا بالرسل المتقدمة اتقوا الله فيما نهاكم عنه وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم يؤتكم كفلين نصيبين من رحمته لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمانكم بمن قبله ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخا ببركة الإسلام وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم ويجعل لكم نورا تمشون به يريد المذكور في قوله يسعى نورهم أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس ويغفر لكم والله غفور رحيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (28)

وقوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله } اختلف الناس في المخاطب بهذا ، فقالت فرقة من المتأولين خوطب بهذا أهل الكتاب ، فالمعنى : يا أيها الذين آمنوا بعيسى اتقوا الله وآمنوا بمحمد ، ويؤيد هذا المعنى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :

«ثلاثة يؤتيهم الله أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي » ، الحديث{[10990]} وقال آخرون المخاطبة للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قيل لهم { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله } ، أي اثبتوا على ذلك ودوموا عليه ، وهذا هو معنى الأمر أبداً لمن هو متلبس بما يؤمر به .

وقوله : { كفلين } أي نصيبين بالإضافة إلى ما كان الأمم قبل يعطونه ، قال أبو موسى الأشعري : { كفلين } ضعفين بلسان الحبشة ، وروي أن عمر بن الخطاب قال لبعض الأحبار : كم كان التضعيف للحسنات فيكم ؟ فقال ثلاثمائة وخمسون ، فقال عمر : الحمد لله الذي ضاعف لنا إلى سبعمائة ، ويؤيد هذا المعنى الحديث الصحيح الذي يقتضي أن اليهود عملت إلى نصف النهار على قيراط ، والنصارى من الظهر إلى العصر على قيراط ، وهذه الأمة من العصر إلى الليل على قيراطين ، فلما احتجت اليهود والنصارى على ذلك وقالوا نحن أكثر عملاً وأقل أجراً ، قال الله تعالى : «هل نقصتكم من أجركم شيئاً ؟ ، قالوا : لا ، قال : فإنه فضلي أوتيه من أشاء »{[10991]} . والكفل : الحظ والنصيب . والنور : هنا إما أن يكون وعداً بالنور الذي يسعى بين الأيدي يوم القيامة ، وإما أن يكون استعارة للهدى الذي يمشي به في طاعة الله .


[10990]:هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحيهما، والنسائي، وابن ماجه، وهو عن أبي موسى، وقد ذكره السيوطي في "الجامع الصغير" ورمز له بالصحة، ولفظه كما جاء فيه:(ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران، وعبد مملوك أدّى حق الله تعالى وحق سيده، فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران).
[10991]:أخرجه البخاري في المواقيت، وأحمد في مسنده(2-129)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ألا إنما بقاؤكم فيما رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ألا إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا حتى إذا انتصف النهار ثم عجزوا، فأُعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا، فأُعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتينا القرآن فعملنا على غروب الشمس فأُعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أي ربنا، لِم أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا منهم؟ قال الله تعالى: هل ظلمتكم من أجوركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء).