التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ} (25)

{ فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى } .

والنكال : مصدر بمعنى التنكيل ، وهو العقاب الذى يجعل من رآه فى حالة تمتعه وتصرفه عما يؤدى إليه ، يقال : نَكَّلَ فلان بفلان ، إذا أوقع به عقوبة شديدة تجعله نكالا وعبرة لغيره وهو منصوب على أنه مصدر مؤكد لقوله { فَأَخَذَهُ } ، لأن معناه نكل به ، والتعبير بالأخذ اللإشعار بأن هذه العقوبة كانت محيطة بالمأخوذ بحيث لا يستطيع التفلت منها .

والمراد بالآخرة : الدار الآخرة ، والمراد بالأولى : الحياة الدنيا .

أى : أن فرعون عندما تمادى فى تكذيبه وعصيانه وطغيانه . . كانت نتيجة ذلك أن أخذه الله - تعالى - أخذ عزيز مقتدر ، بأن أنزل به فى الآخرة أشد أنواع الإِحراق ، وأنزل به فى الدنيا أفظع ألوان الإِغراق .

وقدم - سبحانه - عذاب الآخرة على الأولى ، لأنه أشد وأبقى .

ومنهم من يرى أن المراد بالآخرة قوله لقومه : { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } ، وأن المراد بالأولى تكذيبه لموسى - عليه السلام - أى ، فعاقبه الله - تعالى - على هاتين المعصيتين وهذا العقاب الأليم ، بأن أغرقه ومن معه جميعا . .

ويبدو لنا أن التفسير الأول هو الأقرب إلى ما تفيده الآية الكريمة ، إذ من المعروف أن الآخرة ، هى ما تقابل الأولى وهى دار الدنيا ، ولذا قال الإِمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى } أى : انتقم الله منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين فى الدنيا . ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ، كما قال - تعالى - : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ } هذا هو الصحيح فى معنى الآية ، أن المراد بقوله : { نَكَالَ الآخرة والأولى } أى : الدنيا والآخرة . وقيل المراد بذلك كلمتاه الأولى والثانية . وقيل : كفره وعصيانه ، والصحيح الذى لا شك فيه الأول . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ} (25)

قال الله تعالى : { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى } أي : انتقم الله منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين في الدنيا ، { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } [ هود : 99 ] ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ } [ القصص : 41 ] . هذا هو الصحيح في معنى الآية ، أن المراد بقوله : { نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى } أي : الدنيا والآخرة ، وقيل : المراد بذلك كلمتاه الأولى والثانية . وقيل : كفره وعصيانه . والصحيح الذي لا شك فيه الأول .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ} (25)

جملة { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } مفرعة عن الجُمل التي قبلها ، أي كان ما ذكر من تكذيبه وعصيانه وكيده سبباً لأن أخذه الله ، وهذا هو المقصود من سَوق القصة وهو مناط موعظة المشركين وإنذارهم ، مع تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته .

وحقيقة الأخذ : التناول باليد ، ويستعار كثيراً للمقدرة والغلبة كما قال تعالى : { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } [ القمر : 42 ] وقال : { فأخذهم أخذةً رابية } [ الحاقة : 10 ] . والمعنى : فلم يُفلت من عقاب الله .

والنكال : اسم مصدر نكَّل به تنكيلاً وهو مِثل : السَّلام ، بمعنى التسليم .

ومعنى النكال : إيقاع أذى شديد على الغير من التشهير بذلك بحيث يُنَكِّل ، أي يَرُد ويَصْرِف من يشاهده عن أن يأتي بمثل ما عومل به المنكَّل به ، فهو مشتق من النكول وهو النكوص والهروب ، قال تعالى : { فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها } في سورة البقرة ( 66 ) .

وانتصب { نكال } على المفعولية المطلقة لفعل « أخذه » مبين لنوع الأخذ بنوعين منه لأن الأخذ يقع بأحوال كثيرة .

وإضافة { نكال } إلى { الآخرة والأولى } على معنى ( في ) .

فالنكال في الأولى هو الغرق ، والنكال في الآخرة هو عذاب جهنم .

وقد استُعمل النكال في حقيقته ومجازه لأن ما حصل لفرعون في الدنيا هو نكال حقيقي وما يصيبه في الآخرة أطلق عليه النكال لأنه يشبه النكال في شدة التعذيب ولا يحصل به نكالٌ يوم القيامة .

وورود فعل « أخذه » بصيغة المضي مع أن عذاب الآخرة مستقبل ليوم الجزاء مُراعىً فيه أنه لما مات ابتدأ يذوق العذاب حين يرى منزلته التي سيؤول إليها يوم الجزاء كما ورد في الحديث .

وتقديم { الآخرة } على { الأولى } في الذكر لأنّ أمر الآخرة أعظم .