اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ} (25)

قوله تعالى : { فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى } يجوز أن يكون مصدر الأخذِ ، والتجوز إما في الفعل ، أي : نكل بالأخذِ نكال الآخرة ، وإما في المصدر ، أي : أخذه أخذ نكالٍ ، ويجوز أن يكون مفعولاً له ، أي : لأجلِ نكالهِ ، ويضعف جعله حالاً لتعريفه ، وتأويله كتأويل جهدك وطاقتك ، غير مقيس .

ويجوز أن يكون مصدراً مؤكِّداً لمضمون الجملة المتقدِّمة ، أي : نكل الله [ به ] نكال الآخرة . قاله الزَّمخشريُّ{[59290]} ، وجعله كوعد الله ، وصبغة الله .

وقال القرطبيُّ{[59291]} : وقيل : نُصِبَ بنَزْعِ حرف الصِّفة ، أي : فأخذه الله بنكال الآخرة ، فلمَّا نُزعَ الخافضُ نُصِبَ .

والنكال : اسم لما جعل نكالاً للغير ، أي : عقوبة له حتى يعتبر ، يقال : نَكَل فلانٌ بفلانِ ، إذا ألحقهُ عُقوبة ، والكلمة من الامتناع ، ومنه النُّكُول عن اليمين ، والنكل : القيد وقد مضى في سورة «المزمل » ، والنكال : بمنزلة التنكيل ، كالسلام بمعنى التسليم .

والآخرة والأولى : إمَّا الدَّاران وإمَّا الكلمتان والآخرة قوله : «أنَا ربُّكمُ الأعْلَى » ، والأولى : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي } [ القصص : 38 ] كما تقدم فحذف الموصول للعلم به .

فصل في تفسير الآخرة والأولى

قيل : الآخرة والأولى : هما الكلمتان كما تقدَّم .

وقال الحسنُ وقتادةُ : «نكال الآخرة والأولى » : هو أن أغرقهُ في الدَّنيَا وعذّبه في الآخرة{[59292]} .

وروي عن قتادة - أيضاً - : الآخرةُ قوله : { أنَا ربُّكمُ الأعْلَى } ، والأولى تكذيبه بموسى عليه الصلاة والسلام{[59293]} .

قال القفال{[59294]} : وهذا كأنَّه هو الأظهرُ ؛ لأنَّه - تعالى - قال : { فَأَرَاهُ الآية الكبرى فَكَذَّبَ وعصى ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى فَحَشَرَ فنادى فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } فذكر القصتين ، ثم قال : { فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى } .

فظهر أنَّ المراد : أنَّه عاقبه على هذين الأمرين .


[59290]:ينظر: الكشاف 4/696.
[59291]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 19/132.
[59292]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/435)، عن قتادة وذكره الماوردي في "تفسيره" (6/198).
[59293]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/132) عن قتادة.
[59294]:ينظر: الفخر الرازي 31/40.