التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (28)

ثم حكى القرآن بعض القبائح التي كان يفعلها المشركون ، ورد عل أكاذيبهم بما يدحضها فقال : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً . . . } .

الفاحشة : هى كل فعل قبيح يتنافى مع تعاليم الشريعة مثل الإشراك بالله ، والطواف بالبيت الحرام بدون لباس يستر العورة .

قال الإمام ابن كثير : " كانت العرب - ما عدا قريشا - لا يطوفون بالبيت الحرام في ثيابهم التي لبسوها ، يتأولون في لك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها ، وكانت قريش - وهم الحمس - يطوفون في ثيابهم ، ومن أعاره أحمسى ثوبا طاف فيه ، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ، ومن لم يجد ثوبا جديداً ولا أعاره أحمسى ثوبا طاف عريانا ، وربما كانت المرأة تطوف عريانة ، فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر ، وأكثر ما كان النساء يطفن عراة ليلا ، وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم ، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله فأنكر الله عليهم ذلك وقال : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا والله أَمَرَنَا بِهَا } .

فالآية الكريمة تحكى عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يرتكبون القبائح التي نهى الله عنها كالطواف بالكعبة عرايا ، وكالإشراك بالله ، ثم بعد ذلك يحتجون بأنهم قد وجدوا آباءهم كذلك يفعلون ، وبأن الله قد أمرهم بذلكن ولا شك أن احتجاجهم هذا من الأكاذيب التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ولذا عاجلهم القرآن بالرد المفحم ، فقال : { قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .

أى : قل يا محمد لهؤلاء المفترين على الله الكذب : إن كلامكم هذا يناقضه العقل والنقل . أما أن العقل يناقضه ويكذبه . فلأنه لا خلاف بيننا وبينكم في أن ما تفعلونه هو من أقبح القبائح بدليل أن بعضكم قد تنزه عن فعله ، وأما أن النقل يناقضه ويكذبه فلأنه لم يثبت عن طريق الوحى أن الله أمر بهذا ، بل الثابت أن الله لا يأمر به ، لأن الفاحشة في ذاتها تجاوز لحدود الله ، وانتهاك لحرماته ، فهل من المعقول أن يأمر الله بانتهاك حدوده وحرماته ؟ والاستفهام في قوله - تعالى - : { أَتَقُولُونَ } للإنكار والتوبيخ وفيه معنى النهى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (28)

قال مجاهد : كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ، يقولون : نطوف كما ولدتنا أمهاتنا . فتضع المرأة على فرجها النسعة ، أو الشيء وتقول :

اليوم يبدُو بعضُه أو كلّه *** وما بَدا منه فلا أحلّهُ

فأنزل الله [ تعالى ]{[11647]} { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } الآية . {[11648]}

قلت : كانت العرب - ما عدا قريشًا - لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها ، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها ، وكانت قريش - وهم الحُمْس - يطوفون في ثيابهم ، ومن أعاره أحمسي ثوبًا طاف فيه ، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ، فمن لم يجد ثوبًا جديدًا ولا أعاره أحمسي ثوبًا ، طاف عريانًا . وربما كانت امرأة فتطوف عريانة ، فتجعل على فرجها شيئًا يستره بعض الشيء وتقول :

اليوم يبدُو بعضُه أو كلّه *** وما بدَا منه فلا أحلّهُ{[11649]}

وأكثر ما كان النساء يطفن [ عراة ]{[11650]} بالليل ، وكان هذا شيئًا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم ، واتبعوا فيه آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع ، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك ، فقال : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } فقال تعالى ردًا عليهم : { قُلْ } أي : قل يا محمد لمن ادعى ذلك : { إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } أي : هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة ، والله لا يأمر بمثل ذلك { أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } أي : أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته .


[11647]:زيادة من ك.
[11648]:تفسير الطبري (12/377).
[11649]:البيت منسوب لضباعة بنت عامر بن قرط، وله قصة ذكرها ابن حبيب البغدادي في المنمق (ص270)
[11650]:زيادة من ك، م.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (28)

وقوله { وإذا فعلوا } وما بعده داخل في صفة الذين لا يؤمنون ليقع التوبيخ بصفة قوم جعلوا مثالاً للموبخين إذا أشبه فعلهم فعل الممثل بهم ، ويصح أن تكون هذه الآية مقطوعة من التي قبلها ابتداء إخبار عن كفار العرب ، و «الفاحشة » في هذه الآية وإن كان اللفظ عاماً هي كشفت العورة عند الطواف فقد روي عن الزهري أنه قال : إن في ذلك نزلت هذه الآية ، وقاله ابن عباس ومجاهد ، وكان قول بعض الكفار إن الله أمر بهذه السنن التي لنا وشرعها ، فرد الله عليهم بقوله { قل إن الله لا يأمربالفحشاء } ثم وبخهم على كذبهم ووقفهم على قولهم ما لا علم لهم به ولا رواية لهم فيه بل هو دعوى واختلاق .