إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (28)

{ وَإِذَا فَعَلُوا فاحشة } جملةٌ مبتدأة لا محل لها من الإعراب ، وقد جُوّز عطفُها على الصلة ، والفاحشةُ الفَعلةُ المتناهيةُ في القبح ، والتاء لأنها مُجراةٌ على الموصوف المؤنث أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية ، والمرادُ بها عبادةُ الأصنامِ وكشفُ العورة في الطواف ونحوُهما . { قَالُوا } جواباً للناهين عنها { وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا } محتجين بأمرين : تقليدِ الآباءِ والافتراءِ على الله سبحانه ، ولعل تقديمَ المقدم للإيذان منهم بأن آباءَهم إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها على أن ضمير ( أمرنا ) لهم ولآبائهم ، فحينئذ يظهر وجهُ الإعراض عن الأول في رد مقالتِهم بقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء } فإن عادتَه تعالى جاريةٌ على الأمر بمحاسن الأعمالِ والحثِّ على مراضي الخِصال ، ولا دِلالةَ فيه على أن قبحَ الفعلِ ، بمعنى ترتبِ الذم عليه عاجلاً والعقابِ آجلاً عقلي فإن المرادَ بالفاحشة ما ينفِر عنه الطبعُ السليم ويستنقِصُه العقلُ المستقيم ، وقيل : هما جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لما فعلوها : لم فعلتم ؟ فقالوا : وجدنا عليها آباءَنا ، فقيل : لمَ فعلها آباؤُكم ؟ فقالوا : الله أمرنا بها ، وعلى الوجهين يُمنع التقليدُ إذا قام الدليلُ بخلافه لا مطلقاً { أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من تمام القولِ المأمورِ به ، والهمزةُ لإنكار الواقعِ واستقباحِه وتوجيهُ الإنكارِ والتوبيخِ إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون صدورَه عنه تعالى ، مع أن بعضَهم يعلمون عدمَ صدورِه عنه تعالى ، مبالغةٌ في إنكار تلك الصورةِ فإن إسنادَ ما لم يُعلم عنه تعالى إليه تعالى إذا كان مُنكراً فإسنادُ ما عُلم عدمُ صدورِه عنه إليه عز وجل أشدُّ قبحاً وأحقُّ بالإنكار .