{ وإذا فعلوا } أي العرب { فاحشة } هي ما يبالغ في فحشه وقبحه من الذنوب ، قال أكثر المفسرين هو طواف المشركين بالبيت عراة وبه قال ابن عباس والسدي ومحمد بن كعب ، وقيل هي الشرك قاله عطاء ، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعا ، والمعنى أنهم إذ فعلوا ذنبا قبيحا مبالغا في القبح اعتذروا عن ذلك بعذرين :
الأول { قالوا وجدنا عليها آباءنا } أي : أنهم فعلوا ذلك اقتداء بآبائهم وتقليد لما وجدوهم مستمرين على فعل تلك الفاحشة ، والثاني { والله أمرنا بها } أي إنهم مأمورون بذلك من جهة الله سبحانه ، وكلا العذرين في غاية البطلان والفساد لأن وجود آبائهم على القبيح لا يسوغ لهم فعله بل ذلك محض تقليد باطل لا أصل له والأمر من الله سبحانه لهم لم يكن بالفحشاء بل أمرهم باتباع الأنبياء والعمل بالكتب المنزلة ، ونهاهم عن مخالفتها ومما نهاهم عنه فعل الفواحش .
ولهذا رد الله سبحانه عليهم بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فقال { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } فكيف تدعون ذلك عليه قال قتادة : والله ما أكرم الله عبدا قط على معصيته ولا رضيها له ولا أمره بها ، ولكن رضي لكم طاعته ونهاكم عن معصيته ، والحاصل أن الأمرين باطلان لأن الأول تقليد للرجال والثاني افتراء على ذي الجلال .
وفي الجمل : رد عليهم في المقالة الثانية ولم يتعرض لرد الأول لوضوح فسادها لما هو معلوم أن تقليد مثل الآباء ليس بحجة .
ثم أنكر عليهم ما أضافوه إليه فقال : { أتقولون على الله ما لا تعلمون } وهو من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم وفيه من التقريع والتوبيخ أمر عظيم ، فإن القول بالجهل إذا كان قبيحا في كل شيء فكيف إذا كان في التقول على الله .
وفي هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر ، وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق ، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق فإنهم القائلون { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } والقائلون وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها .
والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به وأنه الحق لم يبق عليه ، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهود على اليهودية والنصراني على النصرانية ، والمبتدع على بدعته ، فيما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آبائهم في اليهودية والنصرانية أو البدعة وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به ولم ينظروا لأنفسهم ولا طلبوا الحق كما يجب ، ولا بحثوا عن دين الله كما ينبغي ، وهذا هو التقليد البحت ، والقصور الخالص .
فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه المقالة وتستمر على الضلالة فقد اختلط الشر بالخير ، والصحيح بالسقيم ، وفاسد الرأي بصحيح الرواية ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه ونهاهم عن مخالفته فقال : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ولو كان محض رأي أئمة المذاهب وأتباعهم حجة على العباد لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعددون بعدد أهل الرأي المكلفون للناس بما لم يكلفهم الله به .
وإن من أعجب الغفلة وأعظم الذهول عن الحق اختيار المقلد لآراء الرجال مع وجود كتاب الله ووجود سنة رسوله بين ظهرانيهم ، ووجود من يأخذونهما عنه بين أيديهم ووجود آلة الفهم لديهم وملكة العقل عندهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.