تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (28)

الآية 28 وقوله تعالى : { وإذا فعلوا فاحشة } قال ابن عباس رضي الله عنه كل معصية فاحشة ، والفاحشة كل ما عظم فيه النهي ، فإذا ارتكبوا ذلك فهو فاحشة .

وقال مجاهد : فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة . وقال غيره من أهل التأويل : هو ما حرّموا من الحرث والأنعام والنبات وغيره من نحو السائبة والحامي وغيرهما{[8240]} .

لكن الفاحشة ما ذكرنا أن كل ما عظم النهي فيه والزجر فهو فاحشة ، والفاحشة هو ما عظم فيه الأمر . ويعرف ذلك بوجهين :

أحدهما : يعظم ذلك في العقل .

والثاني : بالسمع يزيد{[8241]} فيه .

وقوله تعالى : { والله أمرنا بها } [ فيه وجهان :

أحدهما ]{[8242]} ادّعوا في ذلك أمر الله ورضاه فيه ، ويقولون : لو لم يرض بذلك ، [ ولو لم يأمرهم ]{[8243]} لكان ينكّلهم ، وينتقم منهم ؛ يعنون آباءهم ، فاستدلّوا بتركهم وما فعلوا أن الله قد كان رضي بذلك ، وأمرهم [ أن يفعلوا ]{[8244]} ذلك . فدلّ تركه إياهم على ذلك على أنه قد أمرهم بذلك ، ورضي عنهم كمن يخالف في الشاهد ملكا من الملوك في أمره ونهيه ، فإنه ينكّله على ذلك ، وينتقم منه ، إذا كان قادرا على ذلك . فإذا لم يفعل ذلك به دلّ ذلك منه على الرضا به . فعلى ذلك الله لما لم ينتقم منهم ، ولم ينكّلهم ، دلّ ذلك على الرضا والأمر به .

والثاني : كأنهم أخذوا ذلك من المسلمين لمّا سمعوا من المسلمين [ ما ]{[8245]} قالوا : ما شاء الله كان . ظنوا أن ما كان من آبائهم كان بأمر الله ورضاه ؛ لم يفصلوا بين المشيئة والأمر . والمشيئة والإرادة هي صفة فعل كل فاعل يفعله على الاختيار نحو أن يقال : شاء فعل كذا ، أو أراد أمر كذا . ولا يجوز أن يقال : أمر نفسه بكذا ، أو نهى نفسه عن كذا .

وأما قولهم : [ لم ]{[8246]} ينكّل آباءهم ، ولم ينتقم منهم بما فعلوا ، دلّ أنه رضي بذلك ، فيقال : إن فيهم من فعل على خلاف فعلهم وغير صنيعهم ضد ما فعل أولئك ، ثم لم يفعل بهم ذلك ، فهل دلّ على الرضا منه بذلك ؟

فإن قلتم : بلى فإذن{[8247]}رضي بفعلين متضادّين . وإن قلتم : لا ، كيف ذلك في أولئك على الرضا والأمر ؟ ولم يدلّ في من فعلوا بخلاف فعلهم ؟ فذا تناقض . وقد ذكرنا فيما تقدّم ، والله أعلم [ قوله تعالى ]{[8248]} { قل } لهم يا محمد { إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } أن الله أمر بهذا ، وحرّم هذا .

وقوله تعالى : { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } هو ما ذكرنا : ما عظم النهي فيه ، أو كل ما يشتدّ فيه النهي ، أو يغلظ ، أو يكثر ، هو الفحشاء . ألا ترى أنه يقال لكل شيء يكثر فحشه من نحو الكلام وغيره : إنه إذا خرج عن حدّه ، وجاوز حدّه في القبح ، أو جاوز الحدّ من الكثرة ؟ وهم أكثروا الافتراء على الله ؟

وقوله تعالى : { أتقولون على الله ما لا تعلمون } قال بعضهم : بل{ أتقولون على الله ما لا تعلمون } : أنه أمر بذلك .

وقيل : قوله تعالى : { أتقولون على الله ما لا تعلمون } أي أتعلمون أنكم { أتقولون على الله ما لا تعلمون } لأنهم لم يكونوا يؤمنون بالرسل ، ولا كان لهم كتاب ، فكيف تعلمون أن الله أمركم بذلك ، وهو كقوله تعالى : { قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } [ يونس : 18 ] لا يجوز أن [ يقال ] : {[8249]} لا يعلم الله ، ولكن على النفي لذلك ليس كما تقولون ، وتنبّئون . ولكن يعلم خلاف ذلك وضدّه ، ويكون في نفي ذلك إثبات غيره . فعلى ذلك لا يعلمون أنهم يقولون على الله ما لا يعلمون .

وأسباب العلم هذا : إما الرسل يخبرون عن الله ذلك ، وإما{[8250]} الكتاب يجدون فيه مكتوبا ، فيعلمون ، فتسع الشهادة بذلك ، وهم قوم لا يصدّقون الرسل ، ولا يؤمنون بخبرهم ، وليس [ لهم ]{[8251]} كتاب أيضا يقرؤونه . فما بقي إلا وحي الشيطان إليهم كقوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } [ الأنعام : 121 ] .


[8240]:في الأصل وم: غيره.
[8241]:في الأصل وم: يرد.
[8242]:ساقطة من الأصل وم.
[8243]:في الأصل وم: لم بأمر.
[8244]:في الأصل وم: إذا فعلوا.
[8245]:ساقطة من الأصل وم.
[8246]:ساقطة من الأصل وم.
[8247]:في الأصل فإذا، في م: قادرا.
[8248]:ساقطة من الأصل وم.
[8249]:ساقطة من الأصل وم.
[8250]:في الأصل وم: و.
[8251]:ساقطة من الأصل وم.