الفاحشة : ما تبالغ في فحشه وقبحه من الذنوب . قال أكثر المفسرين : هي طواف المشركين بالبيت عراة . وقيل هي الشرك ، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعاً ، والمعنى : أنهم إذا فعلوا ذنباً قبيحاً متبالغاً في القبح ، اعتذروا عن ذلك بعذرين : الأوّل : أنهم فعلوا ذلك اقتداء بآبائهم لما وجدوهم مستمرين على فعل تلك الفاحشة ، والثاني : أنهم مأمورون بذلك من جهة الله سبحانه . وكلا العذرين في غاية البطلان والفساد ، لأن وجود آبائهم على القبح لا يسوّغ لهم فعله ، والأمر من الله سبحانه لهم لم يكن بالفحشاء ، بل أمرهم باتباع الأنبياء والعمل بالكتب المنزلة ونهاهم عن مخالفتهما ، ومما نهاهم عنه فعل الفواحش ، ولهذا ردّ الله سبحانه عليهم بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : { إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء } فكيف تدّعون ذلك عليه سبحانه ، ثم أنكر عليهم ما أضافوه إليه ، فقال : { أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وهو من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم ، وفيه من التقريع والتوبيخ أمر عظيم ، فإن القول بالجهل إذا كان قبيحاً في كل شيء ، فكيف إذا كان في التقوّل على الله ؟
وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر ، وأبلغ واعظ ، للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق ، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق ، فإنهم القائلون : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } والقائلون : { وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا } والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب ، مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به ، وأنه الحق لم يبق عليه ، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية ، والنصراني على النصرانية ، والمبتدع على بدعته ، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية ، والنصرانية ، أو البدعية ، وأحسنوا الظنّ بهم ، بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به ، ولم ينظروا لأنفسهم ، ولا طلبوا الحق كما يجب ، وبحثوا عن دين الله كما ينبغي ، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص ، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبالغ في التحذير ، من أن تقول هذه المقالة وتستمر على الضلالة ، فقد اختلط الشرّ بالخير ، والصحيح بالسقيم ، وفاسد الرأي بصحيح الرواية ، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبياً واحداً أمرهم باتباعه ونهى عن مخالفته فقال : { وَمَا آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا } ولو كان محض رأى أئمة المذاهب وأتباعهم حجة على العباد ، لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعدّدون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به .
وإن من أعجب الغفلة ، وأعظم الذهول عن الحق ، اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله ، ووجود سنة رسوله ، ووجود من يأخذونهما عنه ، ووجود آلة الفهم لديهم ، وملكة العقل عندهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.