تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (28)

المفردات :

فعلوا فاحشة : أتوا فعلة متناهية في القبح .

التفسير :

وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها . . . الآية .

كانت العرب تطوف بالبيت عراة ، يتأولون في ذلك : أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها .

وربما كانت المرأة تطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ؛ ليستره بعض الستر ، وأكثر ما كان النساء يطفن عراة ليلا ، وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم ، واتبعوا فيه آباءهم ، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله ؛ فأنكر الله عليهم ذلك ( 39 ) .

ومع هذا السبب الخاص فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

ومعنى الآية الكريمة :

إن المشركين كانوا يرتكبون الكبائر ، والقبائح التي نهى الله عنها ، كالشرك بالله ، والطواف بالكعبة عريا وغير ذلك ، وليس بين أيديهم من حجة على هذا الذي هم فيه إلا أن ذلك مما كان عليه آباؤهم ، وأنهم على آثارهم مقتدون ، وأن آباؤهم لم يجيئوا بهذا من عند أنفسهم ، بل هو مما شرع الله لهم ، هكذا يقولون وهكذا يفترون .

قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون .

أمر الله الناس بالآداب ومكارم الأخلاق ، وحثهم على الإيمان بالله وصلة الرحم وإكرام الجار ورحمة اليتيم ، ونهى الله عن الفحشاء والمنكر والزنا والربا والإفساد في الأرض .

قال أبو السعود : فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال ، والحث على مراضي الخصال .

والمراد بالفاحشة : ما ينفر عنه الطبع السليم ، ويستنقصه العقل المستقيم .

والفاحشة في حد ذاتها تجاوز لحدود الله ، وانتهاك لحرماته ، فهل من المعقول أن يأمر الله بانتهاك حدوده وحرماته .

أي : قل لهم يا محمد : إن كلامكم هذا يناقضه العقل والنقل ، أما أن العقل يناقضه ويكذبه ؛ فما تفعلونه هذا من أكبر الكبائر ، ولا خلاف بيننا وبينكم في ذلك ، بدليل أن بعضكم قد تنزه عنه .

ثم إن الله كامل كمالا مطلقا ، والكامل لا يصدر عنه الأمر بالنقص والعيب ، وأما أن النقل يناقضه ويكذبه ؛ فلأنه لم يثبت عن طريق الوحي أن الله أمر بهذا ، بل الثابت أن الله لا يأمر به قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أي : فكيف تدعون ذلك عليه سبحانه .

أتقولون على الله ما لا تعلمون . وفيه نهى عن ذلك وإنكار عليهم ، وتوبيخ لهم ، فإن القول بالجهل إذا كان قبيحا في كل شيء فكيف إذا كان في التقول على الله ؟ !