التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (283)

ثم بين - سبحانه - ما يجب على المسلمين فعله إذا لم يتمكنوا من كتابة ديونهم بأن كانوا مسافرين وليس معهم كاتب فقال - تعالى - :

{ وَإِن كُنتُمْ على سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ . . . }

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ( 283 )

الرهان : جمع رهن بمعنى مرهون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول وقرأ ابن كثير وأبو عمر { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌْْ } وأصل الرهن في كلام العرب يدل على الحبس قال - تعالى - : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } ومعنى الرهن : أن يوضع شيء يناسب قيمةالدين من متاع المدين بيد الدائن توثقه له في دينه ، ليستطيع أن يستوفي حقه من هذا الشيء المرهون عند تعذر الدفع .

والمعنى : وإن كنتم . أيها المؤمنون - مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل مسمى ، ولم تجدوا كاتباً يكتب لكم ديونكم ، أو لم تتيسر لكم أسباب الكتابة لأي سبب من الأسباب ، فإنه في هذه الحالة يقوم مقام الكتابة رهان مقبوضة صاحب الدين ضماناً لحقه عند تعذر أخذه من الغريم .

وفي التعبير بقوله : { على سَفَرٍ } استعارة تبعية حيث شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه . وفيه كذلك إشارة إلى اضطراب الحال ، لأن حال المسافر يغلب عليها التنقل وعدم الاستقرار .

وجملة { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً } معطوفة على فعل الشرط ، أي : وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا ، كاتبا فتكون في محل جزم تقديراً . ويجوز أن تكون الواو للحال والجملة بعدها في محل نصب على الحال .

وقوله : { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : فالذي يستوثق به رهان مقبوضة .

أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير : فعليكم رهان مقبوضة .

ومن الأحكام التي أخذها الفقهاء من هذه الآية الكريمة : أن تعليق الرهان على السفر ليس لكون السفر شرطاً في صحة الرهان ، فإن التعامل بالرهان مشروع في حالتي السفر والحضر ، وإنما علق هنا على السفر لأنه مظنة تعسر الكتابة لما فيه من التنقل وعدم الاستقرار . وقد ثبت في الصحيحين عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقاً من شعير رهنها قوتاً لأهله " .

ومن الواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رهن درعه لليهودي كان مقيماً ولم يكن مسافرا .

قال القرطبي : " ولم يروا عن أحد منع الرهن في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود الأحوال . وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره " .

كذلك أخذ بعض الفقهاء من قوله : { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } أن الرهن لا يتم إلا بالقبض ، فإذا افترق المتعاقدان من غير قبض كان الرهن غير صحيح بنص الآية وهذا مذهب الأحناف والشافعية ، ويرى المالكية والحنابلة أن الرهن يتم من غير القبض ، لأن القبض حكم من أحكامه ، فمن حق الدائن بعد تمام عقد الرهن أن يطالب بقبض العين المرهونة ، فالقبض حكم من أحكام العقد ، وليس ركنا من أركانه ولا شرطاً لتمامه .

وقوله : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ الله رَبَّه } تفريع على أحكام الديون السابقة ، وحض على أداء الأمانة وعلى حسن المعاملة .

أي : فإن أمن الدائن المدين واعتمد على ذمته ووفائه ولم يوثق الدين بالكتابة والشهود والرهن ، فعلى المدين أن يكون عند حسن ظن الدائن به بأن يؤدي ما عليه من ديون في الموعد المحدد بدون تسويف أو مماطلة ، وعليه كذلك أن يتقي الله ربه في رعاية حقوق غيره فلا يجحدها ولا يتأخر في أدائها لأن الهل العليم بكل شيء سيحاسب كل إنسان بما قدمت يداه .

وعبر - سبحانه - بقوله : { فَإِنْ أَمِن } دون أو أودع ، للإِشارة إلى الجانب الذي اعتمد عليه الدائن في المدين وهو خلق الأمانة ، فهو لا يرى فيه إلا جانباً مأموناص لا يتوقع منه شراً أو خيانة ، وللتنبيه إلى أن صفة الأمانة والوفاء من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون جميعاً حتى ينالوا السعادة في دينهم ودنياهم ، عبر بقوله : { فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن } ولم يقل فليؤد المدين لحضه : على الأداء بأحسن أسلوب ، لأنه ما دام الدائن قد ائتمنه على ما أعطاه من ديون ، فعلى هذا الذي اؤتمن وهو المدين أن يكون عند حسن الظن به وأن يرد إليه حقه في موعده مع شكره على حسن ظنه به .

وقوله : { أَمَانَتَهُ } أي دينه . والضمير يصح أن يعود إلى الدائن باعتباره مالك الدين ، وإلى المدين باعتبار أن الدين عليه ، وفي إضافتها - أي الأمانة - إلى المدين إشعار له بأنها عبء في ذمته يجب أن يؤديه حتى يتخلص من تكاليفه ، إذ الأمانة عبء ثقيل عند العقلاء الذين يشعرون بالمسئولية نحو أنفسهم ونحو غيرهم .

وجمع - سبحانه - بين صفتي الألوهية والربوبية في قوله : { وَلْيَتَّقِ الله رَبَّه } للمبالغة في التحذير من الخيانة والمماطلة فإنهما يغضبان الله - تعالى - الذي خلق الإِنسان ورباه وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة ، ولإِشعار هذا المدين بأن التقوى هي الوثيقة الكبرى التي لا تعدها وثيقة أخرى في كتابة أو شهادة أو رهان .

وبذلك نرى لوناً من ألوان التدرج الحكيم في شريعة الله - تعالى - فأنت ترى أن الله - تعالى - قد بين قبل ذلك أن الكتابة في الديون والإِشهاد عليها مطلوبان ، فإن تعذرت الكتابة والشهادة لسبب من الأسباب فإنه يترخص حينئذ بالرهن المقبوض .

فإن تعذر على المدين المحتاج أن يدفع للدائن رهنا يكون الاعتماد على الأمانة التي هي صفة من صفات الصادقين .

فياله من تشريع حكيم - بين الناس ما يصلح شأنهم في دنيهم وفي دنياهم .

ثم أمر الله تعالى - عباده بأن يؤدوا الشهادة على وجهها وألا يكتموها فقال - تعالى - { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } أي : وعليكم - أيها المؤمنون - ألا تمتنعوا عن أدائها إذا دعيتم إليها وألا تخفوها فإن الذي يخفيها ويمتنع عن أدائها يكون معاقباً من الله - تعالى - بسبب ارتكابه لما نهى عنه .

وقد أسند - سبحانه - الإِثم إلى القلب خاصة مع أن الإِثم يسند إلى الشخص ، لأن الإِثم في كتمان الشهادة عمل القلب لا عمل الجوارح ، ولأن القلب أساس كل خير وكل شر ، ففي الحديث الشريف : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا اقتصر على قوله { فَإِنَّهُ آثِمٌ } وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده ؟ قلت : كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها . فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد : هذا مما أبصرته عيني ، ووعاه قلبي . ولأن القلب هو رئيس الأعضاء فكأنه قيل : ومن يكتمها فقد تمكن الإِثم من أصل نفسه ، وملك أشرف مكان فيه : ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام التي تتعلق باللسان فقط . وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعند اقترافه ، واللسان ترجمان عنه . ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ، وهي لها كالأصول التي تتشعب عنها . ألأا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإِيمان والكفر . وهما من أفعال القلوب فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلبو فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب .

وقوله : ( آثم ) خبر إن و ( قلبه ) رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل : فإنه يأثم قلبه . ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء . وآثم خبر مقدم . والجملة خبر إن والضير للشأن .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } أي : والله - تعالى - عليهم بكل أعمالكم وأقوالكم وسائر شئونكم وسيجازي المسحنين إحساناً ، والمسيئين سوءاً فعليكم أيها المؤمنون أن تستجيبوا لأوامر الله ، وأن تجتنبوا ما نهاكم عنه حتى تكونوا من السعداء .

فالجلمة الكريمة تذييل قصد به الوعد الحسن للمؤمنين الصادقين ، والوعيد الشديد للعصاة المسيئين ، حتى يزداد المؤمنون إيمانا ، ويقع العصاة عن عصيانهم وسيئاتهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (283)

يقول تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ } أي : مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى { وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا } يكتب لكم . قال ابن عباس : أو وجدوه ولم يجد قرطاسًا أو دواة أو قلمًا فَرُهُن مقبوضة ، أي : فَلْيكن بدل الكتابة رِهَان مقبوضة في يد صاحب الحق .

وقد استدل بقوله : { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَة } على أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض ، كما هو مذهب الشافعي والجمهور ، واستدل بها آخرون على أنه لا بد أن يكون الرهن مقبوضًا في يد المرتهن ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وذهب إليه طائفة .

واستدل آخرون من السلف بهذه الآية على أنه لا يكون الرهن مشروعا إلا في السفر ، قاله مجاهد وغيره .

وقد ثبت في الصحيحين ، عن أنس ، أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تُوفِّي وَدِرْعُه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وَسْقًا من شعير ، رهنها قوتًا لأهله{[4701]} . وفي رواية : من يهود المدينة{[4702]} . وفي رواية الشافعي : عند أبي الشحم اليهودي{[4703]} . وتقرير هذه المسائل في كتاب " الأحكام الكبير " ، ولله الحمد والمنة ، وبه

المستعان .

وقوله : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } روى ابنُ أبي حاتم بإسناد جيد ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : هذه نسخت ما قبلها .

وقال الشعبي : إذا ائتمن بعضكم{[4704]} بعضًا فلا بأس ألا تكتبوا أو لا تُشهدوا .

وقوله : { وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّه } يعنى : المؤتَمن ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من رواية قتادة ، عن الحسن ، عن سَمُرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " {[4705]} .

وقوله : { وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَة } أي : لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها . قال ابن عباس وغيره : شهادة الزور من أكبر الكبائر ، وكتمانها كذلك . ولهذا قال : { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } قال السدي : يعني : فاجر قلبه ، وهذه كقوله تعالى : { وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ } [ المائدة : 106 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [ النساء : 135 ] ، وهكذا قال هاهنا : { وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } .


[4701]:صحيح البخاري برقم (2508) ولم أقع عليه في صحيح مسلم من حديث أنس وهو فيه من حديث عائشة رضي الله عنها.
[4702]:الرواية في سنن النسائي (7/288).
[4703]:مسند الشافعي (ص 251).
[4704]:في جـ: "بعضهم".
[4705]:المسند (5/12) وسنن أبي داود برقم (3561) وسنن الترمذي برقم (1266) وسنن النسائي الكبرى برقم (5783) وسنن ابن ماجة برقم (2400).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (283)

{ وإن كنتم على سفر } أي مسافرين . { ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } فالذي يستوثق به رهان ، أو فعليكم رهان ، أو فليؤخذ رهان . وليس هذا التعليق لاشتراط السفر في الإرتهان كما ظنه مجاهد والضحاك رحمهما الله تعالى لأنه عليه السلام رهن درعه في المدينة من يهودي على عشرين صاعا من شعير أخذه لأهله ، بل لإقامة التوثق للإرتهان مقام التوثق بالكتابة في السفر الذي هو مظنة إعوازها . والجمهور على اعتبار القبض فيه غير مالك . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " فرهن " كسقف وكلاهما جمع رهن بمعنى مرهون : وقرئ بإسكان الهاء على التخفيف . { فإن أمن بعضكم بعضا } أي بعض الدائنين بعض المديونين واستغنى بأمانته عن الارتهان . { فليؤد الذي ائتمن أمانته } أي دينه سماه أمانة لائتمانه عليه بترك الارتهان به . وقرئ " الذي ايتمن " بقلب الهمزة ياء ، و " الذي أتمن " بإدغام الياء في التاء وهو خطأ لأن المنقلبة عن الهمزة في حكمها فلا تدغم . { وليتق الله ربه } في الخيانة وإنكار الحق وفيه مبالغات . { ولا تكتموا الشهادة } أيها الشهود ، أو المدينون والشهادة شهادتهم على أنفسهم . { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } أي يأثم قلبه أو قلبه يأثم . والجملة خبر إن وإسناد الإثم إلى القلب لأن الكتمان مقترفه ونظيره : العين زانية والأذن زانية . أو للمبالغة فإنه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم الأفعال ، وكأنه قيل : تمكن الإثم في نفسه وأخذ أشرف أجزائه ، وفاق سائر ذنوبه ، وقرئ { قلبه } بالنصب كحسن وجهه . { والله بما تعملون عليم } تهديد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (283)

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ( 283 )

لما ذكر الله تعالى الندب إلى الإشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال والأديان عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب وجعل لها الرهن ونص من أحوال العذر على السفر الذي هو الغالب من الأعذار لا سيما في ذلك الوقت لكثرة الغزو ، ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر ، فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضر كأوقات أشغال الناس وبالليل ، وأيضاً فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن .

وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي طلب منه سلف الشعير ، فقال : إنما يريد محمد أن يذهب بمالي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كذب إني لأمين في الأرض أمين في السماء ، ولو ائتمنني لأديت ، اذهبوا إليه بدرعي » .

وقد قال جمهور من العلماء : الرهن في السفر ثابت في القرآن ، وفي الحضر ثابت في الحديث( {[2814]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وهذا حسن ، إلا أنه لم يمعن النظرفي لفظ السفر في الآية ، وإذا كان السفر في الآية مثالاً من الأعذار فالرهن في الحضر موجود في الآية بالمعنى( {[2815]} ) ، إذ قد تترتب الأعذار في الحضر ، وذهب الضحاك ومجاهد إلى أن الرهن والائتمان إنما هو في السفر ، وأما في الحضر فلا ينبغي شيء من ذلك ، وضعف الطبري قولهما في الرهن بحسب الحديث الثابت الذي ذكرته ، وقوى قولهما في الائتمان ، والصحيح ضعف القول في الفصلين بل يقع الائتمان في الحضر كثيراً ويحسن ، وقرأ جمهور القراء «كاتباً » بمعنى رجل يكتب ، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس «كتاباً » بكسر الكاف وتخفيف التاء وألف بعدها وهو مصدر ، قال مكي : وقيل هو جمع كاتب كقائم وقيام .

قال القاضي أبو محمد : ومثله صاحب وصاحب ، وقرأ بذلك مجاهد وأبو العالية وقالا : المعنى وإن عدمت الدواة والقلم أو الصحيفة ، ونفي وجود الكتاب يكون بعدم أي آلة اتفق من الآلة ، فنفي الكتاب يعمها ، ونفي الكاتب أيضاً يقتضي نفي الكتاب فالقراءتان حسنتان إلا من جهة خط المصحف( {[2816]} ) ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «كُتاباً » بضم الكاف على جمع كاتب ، وهذا يحسن من حيث لكل نازلة كاتب( {[2817]} ) ، فقيل للجماعة ولم تجدوا كتاباً ، وهذا هو الجنس الذي تدل عليه قراءة من قرأ «كاتباً » ، وحكى المهدوي عن أبي العالية أنه قرأ «كتباً » وهذا جمع كتاب من حيث النوازل مختلفة ، وهذا هو الجنس الذي تدل عليه قراءة من قرأ «كتباً » .

وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وجمهور من العلماء «فرهان » ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير «فرُهُن » بضم الراء والهاء ، وروي عنهما تخفيف الهاء .

وقد قرأ بكل واحدة جماعة غيرهما .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : رهن الشيء في كلام العرب معناه : دام واستمر ، يقال أرهن لهم الشراب وغيره قال ابن سيده : ورهنه أي أدامه( {[2818]} ) ، ومن رهن بمعنى دام قول الشاعر : [ السريع ]

اللحمُ والخبزُ لَهمْ راهِنٌ . . . وقهوةٌ راووقُها ساكِبُ( {[2819]} )

أي دائم قال أبو علي : ولما كان الرهن بمعنى الثبوت والدوام فمن ثم بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج من يد المرتهن إلى يد الراهن بوجه من الوجوه لأنه فارق ما جعل له( {[2820]} ) ، ويقال أرهن في السلعة إذا غالى فيها ، حتى أخذها بكثير الثمن ، ومنه قول الشاعر في وصف ناقة : [ البسيط ]

يطوي ابن سلمى بها من راكب بُعُداً . . . عيديةً أُرْهنَتْ فيها الدَّنَانِيرُ( {[2821]} )

العيد بطن من مهرة ، وإبل مهرة موصوفة بالنجابة ، ويقال في معنى الرهن الذي هو التوثقة من الحق : أرهنت إرهاناً فيما حكى بعضهم ، وقال أبو علي يقال : أرهنت في المغالاة ، وأما في القرض والبيع فرهنت( {[2822]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ويقال بلا خلاف في البيع والقرض : رهنت رهناً ، ثم سمي بهذا المصدر الشيء المدفوع ، ونقل إلى التسمية ، ولذلك كسر في الجمع كما تكسر الأسماء وكما تكسر المصادر التي يسمى بها وصار فعله ينصبه نصب المفعول به لا نصب المصدر ، تقول : رهنت رهناً فذلك كما تقول رهنت ثوباً ، لا كما تقول : رهنت الثوب رهناً وضربت ضرباً ، قال أبو علي : وقد يقال في هذا المعنى أرهنت ، وفعلت فيه أكثر ، ومنه قول الشاعر( {[2823]} ) : [ الوافر ]

يراهِنُني ويُرْهِنُني بنيه . . . وَأُرْهِنُه بنيَّ بِمَا أَقُولُ

وقال الأعشى : [ الكامل ]

حتّى يُقِيدَكَ مِنْ بنِيهِ رَهِينَةً . . . نَعْشٌ ويُرْهِنَكَ السِّماكَ الفَرْقَدا( {[2824]} )

فهذه رويت من رهن وأما أرهن فمنه قول همام بن مرة : [ المتقارب ]

ولمّا خَشِيتُ أَظافِرَهُمْ . . . نَجَوْتُ وأَرْهنْتُهُمْ مَالِكا( {[2825]} )

قال الزجّاج يقال في الرهن رهنت وأرهنت ، وقاله ابن الأعرابي ، ويقال رهنت لساني بكذا ولا يقال فيه أهنت .

قال القاضي أبو محمد : فمن قرأ «فرِهَان » فهو جمع رَهْن ، ك «كبْش » و «كِباش » ، و «كَعْب » وكِعاب ، ونَعْل ونِعَال ، وَبَغْل وبِغَال ، ومن قرأ «فُرُهُنٌ » بضم الراء والهاء فهو جمع رَهْن ، ك «سقف وسقف ، وأسد( {[2826]} ) وأُسْد ، إذ فَعْل وفُعُل يتقاربان في أحكامهما ، ومن قرأ " فرهْن " بسكون الهاء فهو تخفيف رهن ، وهي لغة في هذا الباب كله ، كتف وفخذ وعضد وغير ذلك ، قال أبو علي : وتكسير رهن على أقل العدد لم أعلمه جاء ، ولو جاء لكان قياسه أفعل ككلب وأكلب ، وكأنهم استغنوا بالكثير عن القليل في قولهم : ثلاثة شسوع ، وكما استغني ببناء القليل عن بناء الكثير في رسن وأرسان ، فرهن يجمع على بناءين من أبنية الجموع وهما فعل وفعال ، فمما جاء على " فُعْل " قول الأعشى : [ الكامل ]

آليتُ لا أُعْطيهِ مِنْ أبنائِنا . . . رَهْناً فَيُفْسِدهُمْ كَمَنْ قَدْ أَفْسَدا

قال الطبري : تأول قوم أن «رُهُناً » بضم الراء والهاء جمع رهان ، فهو جمع جمع ، وحكاه الزجّاج عن الفرّاء( {[2827]} ) ، ووجه أبو علي قياساً يقتضي أن يكون رهاناً جمع رهن بأن يقال يجمع فعل على فعال( {[2828]} ) كما جمعوا فعالاً على فعائل في قول ذي الرمة : [ الطويل ]

وَقَرَّبْنَ بالزرْقِ الْجَمَائِلَ بَعْدَما . . . تَقَوَّبَ عَنْ غِرْبَانِ أوراكِها الْخَطَر( {[2829]} )

ثم ضعف أبو علي هذا القياس وقال : إن سيبويه لا يرى جمع الجمع مطرداً فينبغي أن لا يقدم عليه حتى يرد سماعاً .

وقوله عز وجل : { مقبوضة } يقتضي بينونة المرتهن بالرهن ، وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن ، وكذلك على قبض وكيله فيما علمت .

واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه ، فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء قبض العدل قبض ، وقال الحكم بن عتيبة وأبو الخطاب قتادة بن دعامة( {[2830]} ) وغيرهما : ليس قبض العدل بقبض ، وقول الجمهور أصح من جهة المعنى في الرهن( {[2831]} ) .

وقوله تعالى : { فإن أمن } الآية ، شرط ربط به وصية الذي عليه الحق بالأداء ، وقوله { فليُؤد } أمر بمعنى الوجوب بقرينة الإجماع على وجوب أداء الديون وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه ، وبقرينة الأحاديث الصحاح في تحريم مال الغير ، وقوله { أمانته } مصدر سمي به الشيء الذي في الذمة( {[2832]} ) ، وأضافها إلى الذي عليه الدين من حيث لها إليه نسبة ، ويحتمل أن يريد بالأمانة نفس المصدر( {[2833]} ) ، كأنه قال : فليحفظ مروءته ، فيجيء التقدير : فليؤد ذا أمانته( {[2834]} ) ، وقرأ عاصم فيما روى عنه أبو بكر الذي أؤتمن برفع الألف ويشير بالضم إلى الهمزة ، قال أحمد بن موسى وهذه الترجمة غلط( {[2835]} ) ، وقرأ الباقون بالذال مكسورة وبعدها همزة ساكنة بغير إشمام ، وهذا هو الصواب الذي لا يجوز غيره ، وروى سليم عن حمزة إشمام الهمزة الضم ، وهذا خطأ أيضاً لا يجوز ، وصوّب أبو علي هذا القول كله الذي لأحمد بن موسى واحتج له ، وقرأ ابن محيصن «الذي ايتمن » بياء ساكنة مكان الهمزة ، وكذلك ما كان مثله .

وقوله تعالى : { ولا تكتموا الشهادة } نهي على الوجوب( {[2836]} ) بعدة قرائن ، منها الوعيد وموضع النهي هو حيث يخاف الشاهد ضياع حق ، وقال ابن عباس على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد ويخبر حيثما استخبر ، قال ولا تقل أخبر بها عند الأمير بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا عندي بحسب قرينة حال الشاهد والمشهود فيه والنازلة ، لا سيما مع فساد الزمن وأرذال الناس ونفاق الحيلة وأعراض الدنيا عند الحكام ، فرب شهادة إن صرح بها في غير موضع النفوذ كانت سبباً لتخدم باطلاً ينطمس به الحق ، و { آثم } معناه قد تعلق به الحكم اللاحق عن المعصية في كتمان الشهادة ، وإعرابه أنه خبر «إن »( {[2837]} ) ، و { قلبه } فاعل ب { آثم } ، ويجوز أن يكون ابتداء و { قلبه } فاعل يسد مسد الخبر ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن يكون { قلبه } بدلاً( {[2838]} ) على بدل البعض من الكل .

وخص الله تعالى ذكر القلب إذ الكتم من أفعاله ، وإذ هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كما قال عليه السلام( {[2839]} ) ، وقرأ ابن أبي عبلة «فإنه آثم قلبَه » بنصب الباء ، قال مكي هو على التفسير( {[2840]} ) ثم ضعفه من أجل أنه معرفة .

وفي قوله تعالى : { والله بما تعملون عليم } توعد وإن كان لفظها يعم الوعيد والوعد .


[2814]:- رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك وكذلك رواه غيرهما.
[2815]:- أي: «وإن كنتم على عذر كالسفر»، فيكون السفر مثالا ذكر للإيضاح، والرهن وثيقة للحق وشاهد عليه في العرف.
[2816]:- نفي الكاتب يقتضي نفي الكتابة – ونفي الكتابة يقتضي نفي الكاتب – فعلى أي قراءة يكون كل من الكاتب والكتابة غير متوافرين. لكن ابن عطية، بعد أن حكم بالحسن على القراءتين من حيث المعنى – رجح القراءة التي جاء بها خط المصحف العثماني – وهي [كاتباً] على قراءة [كتاباً].
[2817]:- هذه علة قراءة الجمع، سواء كان كُتَّاباً أو كُتُبًا.
[2818]:- تفسير لما قبله من رهن وأرهن.
[2819]:- الراووق: المصفاة التي تصفى بها الخمر – والباطية، والكأس – قال الشاعر: وقهوة مزَّةٍ راووقها خضل ............................. والساكب: الذي يسيل منه الشراب.
[2820]:- من هنا قال مالك رحمه الله: إذا عاد الرهن إلى الراهن بأي وجه من الوجوه فإن المرتهن لا ينتفع بالرهن ولا يختص به إذا قام الغرماء على الراهن، فالقبض عند الإمام مالك رحمه الله شرط في الانتفاع والاختصاص به، وذلك أدخل في اعتبار الأحكام، فلا بد من وجود القبض ودوامه كما هو معنى الرهن في لغة العرب.
[2821]:- الشاعر هو رذاذ الكلبي كما جاء في اللسان. ويروى صدر البيت فيه هكذا: ظَلَّتْ تَجولُ بها البلْدانَ نَاجِيَــةٌ ............................... والعيديّة: نوق من كرام النجائب – والأصل في التسمية أو الوصف أنها نسبت إلى أحد الفحول المنجبة وكان يسمى (عيدا)، ويرى ابن عطية أنها منسوبة إلى (العيد) بطن من بطون مَهْرَة، وهي قبيلة كبيرة منسوبة لمهرة بن حيدان، يقال عن نوقها: نجائب تسبق الخيل، وهكذا ورد في اللسان. ويريد برهن الدنانير فيها: المغالاة فيها حتى يحصل عليها بالثمن الكثير.
[2822]:- حاصله أنه يقال في الرهن المتعارف: رهنت باتفاق، وأرهنت بقلة، كما يفيده قول أبي علي، وقد يقال في هذا المعنى: أرهنت وفعلت فيه أكثر، ويقال: رهنته الشيء، ورهنت عنده الشيء. ويقال: رهنته لساني، أي حبسته عنده بأن عاهدته على أمر أو واعدته به، ولا يقال: أرهنته لساني بالهمزة، ويقال في السلعة إذا غالى فيها – أرهنت فيها، ولا يقال: رهنت فيها، هذا ما وقعت الإشارة إليه. والله أعلم.
[2823]:- هو أُحَيْحَه بن الجلاح.
[2824]:- قبله: آلَيْتُ لا أُعْطيه من أبنائِنَــا رُهُنًا فَيُفْسِدُهُمْ كَمَنْ قد أفْسَــدا ويأتي عند ابن عطية الاستشهاد به في بناء فُعُل كرُسُل جمعاً لرَهْن. وروي يفيدك – ويقيدك، ويقيدك من أقاد بمعنى أعطى – ونعش: مجموعة نجوم في السماء منها "بنات نعش الكبرى والصغرى"، وكلمة (نعش) فاعل للفعل (يقيد) – والسماك: واحد السماكين – السماك الرامح وهو في الشمال والسماك الأعزل وهو في الجنوب – وهما نجمان نيران – والأصل أن السماك: كل ما سمُك حائطاً كان أو سقفاً – والفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي ثابت الموقع ولهذا يهتدى به.
[2825]:- في الصحاح: عبد الله بن همام السلولي، فهما روايتان رواهما اللسان، وبعد البيت: غريبـــاً مُقيما بدار الهَـوا نِ، أهْون عليَّ بهِ هَالِكَـا وأحضرت عُذري عليه الشُّهو د إن عاذراً لي وإن تاركا وقد شهِد الناس عند الإمــا م أني عـدوٌّ لأعدائِكــا
[2826]:- لغة في (أسد) بفتح السين.
[2827]:- في اللسان: قال الفراء: «الرهن يجمع رهاناً، مثل نَعْل ونِعال، ثم الرهان يجمع رُهُنًا».
[2828]:- حاصله أن منهم من جعل رُهُن بضمتين جمع رهان، ومنهم من عكس فجعل رهان جمع رُهُن، وقد ضعفه أبو علي بأن جمع الجمع يقتصر فيه على السماع ولا قياس فيه.
[2829]:- الزرق: قال في القاموس: النصال والرمال بالدهناء، والمراد هنا النصال لأنها توصف بالزرقة – والجمائل: جمع جِمَال – وإن كان قال في اللسان في جمع جمل (ومثله في القاموس): والجمع: أجمال وجمال و. و. وجمائل – وتَقَوَّب: زال وانقلع – يقال: تقوب الشيء إذا انقلع من أصلهز والغربان: جمع غراب وهو حد الورك الذي يلي الظهر – والخطْر: مصدر خطر البعير بذنبه رفعه مرة بعد أخرى فضرب به فخذيه.
[2830]:- قتادة: اسم أبي الخطاب – وأبو الخطاب تابعي جليل.
[2831]:- لأن الرهن معناه: الحبس، فهو محبوس ومقبوض عند العدل نيابة عن المرتهن.
[2832]:- يعني أنه يستعمل مجازاً في الأعيان، فيقال: الوديعة أمانة، وما في الذمة أمانة، ويحتمل أن يراد بالأمانة نفس المصدر وهي المروءة، أي فليحفظ مروءته وفتوته بألا يخون ما جعل عليه أمينا.
[2833]:- أي يكون على حذف مضاف حسبما قدره المؤلف.
[2834]:- لأنه صار لا يعلم إلا من جهته.
[2835]:- أي الإشارة بالضم إلى الهمزة غلط، كما أن إشمام الهمزة الضم خطأ، وأحمد بن موسى هو المعروف بابن مجاهد، كبير العلماء بالقراءات في عصره، له كتاب "القراءات الكبير" وكتاب "الياءات"، وكتاب "الهاءات" توفي سنة 324هـ. وقد صوب أبو علي ما قاله أحمد بن موسى في اعتراضه على القراءتين.
[2836]:- قال ابن عباس رضي الله عنهما: «شهادة الزور، وكتمان الشهادة كلاهما من أكبر الكبائر، فإقامة الشهادة واجبة، واكتتامها مأثمة، ومثل كتمها تحريفها وإنكارها» وقد قال الله تعالى: [وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعلمون خبيرا]. سانحة: الأكتم بالمثناة وبالمثلثة هو الشبعان، وعظيم البطن، وواسعه، وبه سمي، ومنه يحيى بن الأكتم الذي تولى قضاء البصرة وهو ابن إحدى وعشرين سنة، فأراد بعض الشيوخ أن يخجله فقال له: كم سن القاضي ؟ فقال: مثل سن عتَّاب بن أسيد لمّا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها، فأفحمه.
[2837]:- هذا لا يجوز عل مذهب سيبويه وجمهور البصريين لأنه لا بد من اعتماد الوصف على نفي أو استفهام، لكنه يجوز على مذهب أبي الحسن الذي لا يشترط ذلك.
[2838]:- يريد أنه بدل من الضمير المستتر في [آثم]. وجوز الزمخشري أن يكون [آثم] خبراً مقدما، و[قبله] مبتدأ، والجملة خبر [إنَّ].
[2839]:- قال الإمام القرطبي رحمه الله: يقال: إن إثْم القلب مسخه، وإذا مسخ الله قلبا جعله منافقا وطبع عليه، نعوذ بالله من ذلك.
[2840]:- أي التمييز. وقد ضعّف ذلك مكي لأنه معرفة – لكن الكوفيين يجيزون مجيء التمييز معرفة. وقد خرجه بعضهم (في حالة النصب) على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به نحو قولهم: مررت برجل حسن وجهه.