تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (283)

الآية 283 وقوله تعالى : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } قد ذكرنا في ما تقدم في الأمر بالكتابة والإشهاد : أنهما ، والله أعلم ، لحفظ الحقوق ما جل منها ، وما دق ، ولألا يحملهم على الإنكار والجحد{[3507]} ، وأن يذكرها [ ذلك حتى لا تنسوا{[3508]} . فعلى ]{[3509]} ذلك الأمر بالرهان لئلا يؤخروا قضاء الدين ، ويذكروه ، ولا ينسوه{[3510]} ، والله أعلم .

ثم فيه دلالة ألا يجوز الرهن إلا مقبوضا ؛ لأن الرهن يقبض لأمرين :

[ أحدهما ]{[3511]} : لأنه إذا كان مقبوضا محبوسا عن صاحبه عن جميع أنواع{[3512]} منافعه ذكره ، وقضاء{[3513]} دينه ، وإذا كان في يديه لم يتقاضه{[3514]} على ذلك . لذلك قلنا : إنه لا يجوز إلا مقبوضا .

والثاني : إنما يقبض ليستوفي إلا بعد القبض ، أو يؤخذ{[3515]} الدين منه من غير بخس فيه ، ولا منع عنه .

ووجه آخر في ما لا يجوز الرهن إلا مقبوضا لأنه جعل وثيقة ؛ فلا جائز أن يكون وثيقة ، وهو في يدي الراهن غير محبوس ولا ممنوع عن منافعه . فدل ما ذكرنا من طلب الناس بعضهم من بعض الرهون أنهم طلبوا وثيقة ؛ فإذا كان وثيقة فهو إنما يكون وثيقة إذا كان في يدي المرتهن محبوسا عن صاحبه . ألا ترى أن الكتاب{[3516]} أمر بأداء الأمانة إذا أمن بعضهم بضعا بغير رهن ، فلو كان الرهن يكون رهنا في يدي الراهن لذكر فيه أداء الأمانة في [ الرهن ]{[3517]} ، ولم يكن لذكر القبض وجه . لذلك قلنا : إن الرهن لا يجوز إلا أن يكون مقبوضا محبوسا عن منافع صاحبه .

وقوله تعالى : /52-ب/ { فإن أمن بعضكم بعضا فليود الذي أؤتمن أمانته } فيه دلالة ضمان الرهن : دلالة استيفاء الدين من الرهن لأنه إنما ذكر الأداء في ما أمن بعضهم بلا{[3518]} رهن ، ولم يذكر الأداء في ما فيه الرهن . فلولا لا أن جعل في الرهن استيفاء الحق والدين ، وإلا لذكر الأداء فيما كما ذكر في أن لا رهن ، فدل أنه مضمون به إن هلك هلك به ، والله أعلم . وأيضا قوله : { فإن أمن بعضكم بعضا فليود الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه } فيه دليل لقولهم في الشركات : إنه يكتب اشتراكا على تقوى الله وأداء الأمانة في ما ائتمن .

وقوله تعالى : { ولا تكتموا الشهداء ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } ذكر إثم القلب ، والإثم موضعه القلب ، لكنه يشفع في الجروح ، ويظهر ، على ما روي [ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ]{[3519]} : أن في النفس مضغة إذا صلحت صلح البدن ، وإذا فسدت فسد البدن ) [ البخاري 52 ] .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : وفيه دلالة أن المآثم تعمد القلوب بأي شيء كان . فلذلك وصف القلب بأنه آثم ، وهو كقوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } [ البقرة : 225 ] وكذلك قوله عز وجل : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } [ الأحزاب : 5 ] .


[3507]:في ط ع: والجحود.
[3508]:في ط ع وم: ينسون.
[3509]:من ط ع وم.
[3510]:في النسخ الثلاث: ينسون.
[3511]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3512]:من ك ع، في الأصل وم: أنواعه.
[3513]:في النسخ الثلاث: ولقضاه، قضاه تقضية وقضاء: أداه.
[3514]:في النسخ الثلاث: يتقاضاه. تقضاه الدين: قبضه، والتقاضي: الطلب.
[3515]:في النسخ الثلاث: يأخذ.
[3516]:في النسخ الثلاث: الكاتب.
[3517]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.
[3518]:من ط ع وم، في الأصل: فلا.
[3519]:من ط ع.