التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ} (29)

ثم صور - سبحانه - أحوالهم وهم يتقلبون فى النار وحكى بعض أقوالهم التى يقولونها وهم فى ذلك العذاب الأليم فقال : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ } على من أضلوهم .

{ رَبَّنَآ أَرِنَا الذين أَضَلاَّنَا مِنَ الجن والإنس . . . } أى : قالوا يا ربنا أطلعنا على الفريقين اللذين زينوا لنا الكفر والفسوق والعصيان من أفراد الجن والإِنس { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين } أى : أرنا إياهم لننتقم منهم ، بأن ندوسها بأقدامنا احتقارا لهم ، وغضبا عليهم ، ليكونا بذلك فى أسفل مكان من النار ، وفى أحقره وأكثرهم سعيرا .

وهكذا تتحول الصداقة التى كانت بين الزعماء والأتباع فى الدنيا ، إلى عداوة تجعل كل فريق يحتقر صاحبه ، ويتمنى له أسوأ العذاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ} (29)

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ }

قال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كُهَيْل ، عن مالك بن الحصين الفزاري ، عن أبيه{[25693]} ، عن علي ، رضي الله عنه ، في قوله : { الَّذَيْنِ أَضَلانَا } قال : إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه .

وهكذا روى حبة العُرَنِي عن علي ، مثل ذلك .

وقال السدي ، عن علي : فإبليس يدعو به كل صاحب شرك ، وابن آدم يدعو به كل صاحب كبيرة ، فإبليس - لعنه الله - هو الداعي إلى كل شر من شرك فما دونه ، وابن آدم الأول . كما ثبت في الحديث : " ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ؛ لأنه أول من سن القتل " {[25694]} .

وقوله {[25695]} { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا } أي : أسفل منا في العذاب ليكونا أشد عذابا منا ؛ ولهذا قالوا : { لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ } أي : في الدرك الأسفل من النار ، كما تقدم في " الأعراف " من سؤال الأتباع من الله أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم ، قال : { لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 38 ] أي : إنه تعالى قد أعطى كلا منهم ما يستحقه من العذاب والنكال ، بحسب عمله وإفساده ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } [ النحل : 88 ] .


[25693]:- (4) في ت: "عن أبيه روى".
[25694]:- (1) الحديث أخرجه الجماعة سوى أبي داود، وانظر تخريجه عند الآية: 29 من سورة المائدة.
[25695]:- (2) في س: "وقولهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ} (29)

{ وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس } يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان . وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل ، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والسوسي { أرنا } بالتخفيف كفخذ في فخذ ، وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء . { نجعلهما تحت أقدامنا } ندوسهما انتقاما منهما ، وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل . { ليكونا من الأسفلين } مكانا أو ذلا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ} (29)

ثم ذكر عز وجل مقالة كفار يوم القيامة إذا دخلوا النار فإنهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم وبادي ضلالتهم فيعظم غيظهم وحنقهم عليه ويودون أن يحصل في أشد عذاب فحينئذ يقولون { ربنا أرنا اللذين أضلانا } ، وظاهر اللفظ يقتضي أن الذي في قولهم : { اللذين } إنما هو للجنس ، أي { أرنا } كل مغوٍ ومضل { من الجن والإنس } ، وهذا قول جماعة من المفسرين . وقال علي بن أبي طالب وقتادة . وطلبوا ولد آدم الذي سن القتل والمعصية من البشر وإبليس الأبالسة من الجن .

قال القاضي أبو محمد : وتأمل هل يصح هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لأن ولد آدم مؤمن عاص ، وهؤلاء إنما طلبوا المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود ، وإنما القوي أنهم طلبوا النوعين ، وقد أصلح بعضهم هذا القول بأن قال : يطلب ولد آدم كل عاص دخل النار من أهل الكبائر ، ويطلب إبليس كل كافر ، ولفظ الآية يزحم هذا التأويل ، لأنه يقتضي أن الكفرة إنما طلبوا اللذين أضلا .

وقرأ نافع وحمزة والكسائي : «أرِنا » بكسر الراء ، وهي رؤية عين ، ولذلك فهو فعل يتعدى إلى مفعولين . وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم : «أرْنا » بسكون الراء ، فقال هشام بن عمار : هو خطأ . وقال أبو علي : هي مخففة من : { أرنا } كما قالوا : ضحك وفخذ . وقرأ أبو عمرو : بإشمام الراء الكسر ، ورويت عن أهل مكة .

وقوله : { نجعلهما تحت أقدامنا } يريدون في أسفل طبقة من النار ، وهي أشد عذاباً . وهي درك المنافقين{[10070]} .


[10070]:الدرك- بسكون الراء وبفتحها-: أسفل كل شيء ذي عمق كالبئر ونحوها، قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}، والجمع: أدراك.