التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

ثم بشره - سبحانه - ببشارات أخرى فقال : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ . بِأَيِّكُمُ المفتون . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين } .

والفاء فى قوله : { فَسَتُبْصِرُ . . . } للتفريع على ما تقدم من قوله : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ }

والفعل " تبصر ويبصرون " من الإبصار الذي هو الرؤية بالعينين ، وقيل : بمعنى العلم . . والسين في { فَسَتُبْصِرُ . . . } للتأكيد .

والباء في قوله { بِأَيِّكُمُ . . } يرى بعضهم أنها بمعنى في . والمفتون : اسم مفعول ، وهو الذي أصابته فتنة . أدت إلى جنونه ، والعرب كانوا يقولون للمجنون : فتنته الجن . أو هو الذي اضطرب أمره واختل تكوينه وضعف تفكيره . كأولئك المشركين الذين قالوا في النبى صلى الله عليه وسلم أقوالا لا يقولها عاقل . .

أي : لقد ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - أنك بعيد عما اتهمك به الكافرون ، وأن لك عندنا المنزلة التي ليس بعدها منزلة . . وما دام الأمر كذلك فسترى وستعلم ، وسيرى وسيلعم هؤلاء المشركون ، في أي فريق منكم الإِصابة بالجنون ؟ أفي فريق المؤمنين أم بفريق الكافرين . .

قال الجمل في حاشيته ما ملخصه : قوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } قال ابن عباس : فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل ، وقيل في الدنيا بظهور عاقبة أمرك . .

{ بِأَيِّكُمُ المفتون } الباء مزيدة في المبتدأ ، والتقدير : أيكم المفتون ، فزيدت الباء كزيادتها في نحو : بحسبك درهم . .

وقيل : الباء بمعنى " في " الظرفية ، كقولك : زيد بالبصرة . أي : فيها . والمعنى : في أي فرقة منكم المفتون .

وقيل : المفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول والميسور . أي ، بأيكم الفتون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

وقوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : فستعلم يا محمد ، وسيعلم مخالفوك ومكذبوك : من المفتون الضال منك ومنهم . وهذا كقوله تعالى : { سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ } [ القمر : 26 ] ، وكقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [ سبأ : 24 ] .

قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الآية : ستعلم ويعلمون يوم القيامة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : الجنون . وكذا قال مجاهد ، وغيره . وقال قتادة وغيره : { بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : أولى بالشيطان .

ومعنى المفتون ظاهر ، أي : الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ، وإنما دخلت الباء في قوله : { بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } لتدل على تضمين الفعل في قوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } وتقديره : فستعلم ويعلمون ، أو : فستُخْبَر ويُخْبَرون بأيكم المفتون . والله أعلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

{ بأيكم المفتون } أيكم الذي فتن بالجنون ، والباء مزيدة ، أو بأيكم الجنون ، على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود ، أو بأي الفريقين منكم المجنون ، أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين ، أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

واختلف الناس في معنى قوله : { بأيكم المفتون } . فقال أبو عثمان المازني : الكلام تام في قوله : { يبصرون } ، ثم استأنف قوله : { بأيكم المفتون } ، وقال الأخفش : بل الإبصار عامل في الجملة المستفهم عنها في معناها ، وأما الباء فقال أبو عبيدة معمر وقتادة : هي زائدة ، والمعنى : أيكم المفتون{[11236]} . وقال الحسن والضحاك : { المفتون } بمعنى الفتنة ، كما قالوا : ما له معقول{[11237]} ، أي عقل ، وكما قالوا : اقبل ميسوره ودع معسوره ، فالمعنى : { بأيكم } هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً ، وقال آخرون : { بأيكم } فتن { المفتون } وقال الأخفش ، المعنى : { بأيكم } فتنة { المفتون } ، ثم حذف المضاف وأقيم ما أضيف إليه مقامه ، وقال مجاهد والفراء : الياء بمعنى : في أي ، في أي فريق منكم النوع المفتون .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول حسن قليل التكلف ، ولا نقول إن حرفاً بمعنى حرف ، بل نقول إن هذا المعنى يتوصل إليه ب «في » وبالباء أيضاً ، وقرأ ابن عبلة «في أيكم المفتون » .


[11236]:وزيادة الباء كثيرة في كلام العرب، ومن ذلك قوله تعالى: {تنبت بالدهن}، وقوله تعالى: {يشرب بها عباد الله}، ومنه قول الراجز: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج أي: ونرجو الفرج، هذا والفلج- بفتح الفاء واللام- : مدينة بأرض اليمامة كانت لبني جعدة- (راجع الخزانة، وشواهد المغني، والاقتضاب).
[11237]:من كلام العرب: "مالفلان مجلود ولا معقول"، أي ماله عقل ولا جلادة، وقال الراعي: حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا أي عقلا.