التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

- ثم أكد - سبحانه - وعده بإتمام نوره ، وبين كيفية هذا الإِتمام فقال : { هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون } .

والمراد بالهدى : القرآن الكريم المشتمل على الارشادات السامية ، والتوجيهات القويمة ، والأخبار الصادقة ، والتشريعات الحكيمة .

والمراد بدين الحقك دين الإِسلام الذي هو خاتم الأديان .

وقوله { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } من الإِظهار بمعنى الإِعلاء والغلبة بالحجة والبرهان ، والسيادة والسلطان .

والجملة تعليلية لبيان سبب هذا الإِرسال والغاية منه .

والضمير في { لِيُظْهِرَهُ } يعود على الدين الحق أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمعنى : هو الله - سبحانه - الذي أرسل رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم ، بالقرآن الهادى للتى هي أقوم ، وبالدين الحق الثابت الذي لا ينسخه دين آخر ، وكان هذا الإِرسال لإِظهار هذا الدين الحق على سائر الأديان بالحدة والغلبة ، ولاظهار رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، على أهل الأديان كلها ، بما أوحى إليه - سبحانه - من هدايات ، وعبادات ، وتشريعات ، وآداب .

. . . في اتباعها سعادة الدنيا والآخرة .

وختم - سبحانه - هذه الآية بقوله : { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } وختم التي قبلها بقوله : { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } للاشعار بأن هؤلاء الذين قالوا : { عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله } قد جمعوا بسبب قولهم الباطل هذا ، بين رذيلتى الكفر والشكر ، وأنه ، سبحانه ، سيظهر أهل دينه على جميع أهل الأديان الأخرى .

هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير بعض الأحاديث الى تؤيد ذلك ، منها : ما ثبت في الصحيح عن رسول الله . صلى الله عليه وسلم . أنه قال : " إن الله زوى لى الأرض من مشارقها ومغاربها ، وسبيلغ ملك أمتى ما زوى لى منها " .

وروى الإِمام أحمد عن مسعود بن قبيصة بن مسعود يقول : صلى هذا الحى من محارب الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " .

وروى أيضا عن تميم الدارى قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا بر إلا أدخله هذا الدين ، يعز عزيزا ويذل ذليلا ، عزا يعز الله به الإِسلام ، وذلا يذل الله به الكفر " وكان تميم الدارى يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتى ، لقد أصاب من أسلم مهم الشرف والخير والعز ، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية .

وأخرج أيضاً " عن عدى بن حاتم قال : دخلت على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عدى أسلم تسلم " ، فقلت يا رسول الله : إنى من أهل دين . قال : " أنا أعلم بدينك منك ، فقلت : أنت أعلم بدينى منى ؟ قال نعم ، ألست من الركوسية ، وأنت تأكل من مرباع قومك

" . قلت : بلى . قال : " فإن هذا لا يحل لك في دينك " .

ثم قال : - صلى الله عليه وسلم - : " أما إنى أعلم ما الذي يمنعك من الإِسلام تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ، ومن لا قوة له ، ومن رمتهم العرب ، أعرف الحيرة " ؟

قلت : لم أرها وقد سمعت بها .

قال : " فوالذى نفسى بيده ليتمن الله هذا الأمر ، حتى تخرج الضعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز " .

قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : " نعم . كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد " .

قال عدى بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد . ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذى نفسى بيده لتكونن الثالثة ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قالها .

وإلى هنا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد كذبت أهل الكتاب في قولهم { عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله } ، وأرشدتهم إلى الطريق الحض الواضح المستقيم ليسيروا عليه ، ووبختهم على تشبههم في هذه الأقوال البالطة بمن سبقهم من الضالين ، وعلى انقيادهم لأحبارهم ورهبانهم بدون تعقل أو تدبر ، وبشرت المؤمنين بظهور دينهم الذي ارتضاه الله هم على الأديان كلها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

ثم قال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } فالهدى : هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة ، والإيمان الصحيح ، والعلم النافع - ودين الحق : هي الأعمال [ الصالحة ]{[13396]} الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة .

{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } أي : على سائر الأديان ، كما ثبت في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله زَوَى لي الأرض مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها " {[13397]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن أبي يعقوب : سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قَبِيصة - أو : قبيصة بن مسعود - يقول : صلى هذا الحي من " مُحَارب " الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " {[13398]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا سليم بن عامر ، عن تميم الداري ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليبلغن هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار ، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله هذا الدين ، بعِزِّ عزيز ، أو بِذُلِّ ذليل ، عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر " ، فكان تميم الداري يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرَ والشرفَ والعزَّ ، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية{[13399]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني ابن جابر ، سمعت سليم بن عامر قال : سمعت المقداد بن الأسود يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى على وجه الأرض بيت مَدَر ولا وَبَر ، إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعزِّ عزيز ، أو بذلِّ ذليل ، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، وإما يذلهم فيدينون لها " {[13400]}

وفي المسند أيضا : حدثنا محمد بن أبي عَدِيّ ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن أبي حذيفة ، عن عدي بن حاتم سمعه{[13401]} يقول : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عدي ، أسلم تسلم " . فقلت : إني من أهل دين . قال : " أنا أعلم بدينك منك " . فقلت : أنت أعلم بديني مني ؟ قال : " نعم ، ألست من الرَّكُوسِيَّة ، وأنت تأكل مرباع قومك ؟ " . قلت : بلى . قال : " فإن هذا لا يحل لك في دينك " . قال : فلم يَعْدُ أن قالها فتواضعت لها ، قال : " أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام ، تقول : إنما اتبعه ضَعَفَةُ الناس ومن لا قوة له ، وقد رَمَتْهم العرب ، أتعرف الحيرة ؟ " قلت : لم أرها ، وقد سمعت بها . قال : " فوالذي نفسي بيده ، ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظَّعِينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولتفتحن{[13402]} كنوز كسرى بن هرمز " . قلت : كسرى بن هرمز ؟ . قال : " نعم ، كسرى بن هرمز ، وليُبْذَلنَّ المال حتى لا يقبله أحد " . قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده ، لتكونن الثالثة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها{[13403]} .

وقال مسلم : حدثنا أبو معن زيد بن يزيد الرّقَاشِيّ ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن الأسود بن العلاء ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبَد اللاتُ والعُزّى " . فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله ، عز وجل : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } إلى قوله : { وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } أن ذلك تام ، قال : " إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، عز وجل ، ثم يبعث الله ريحا طيبة [ فيتوفى كلّ من كان في قلبه مثقال حَبَّة خردل من إيمان ]{[13404]} فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم " {[13405]}


[13396]:- زيادة من ك.
[13397]:- صحيح مسلم برقم (2889) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
[13398]:- المسند (5/366).
[13399]:- المسند (4/103) وقال الهيثمي في المجمع (6/14) : "رجال أحمد رجال الصحيح".
[13400]:- المسند (6/4) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (1631) "موارد" من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم به.
[13401]:- في ت ، أ : "سمعته".
[13402]:- في ت ، أ : "وليفتحن".
[13403]:- المسند (4/377 ، 378) وكأن الحافظ اختصره هنا.
[13404]:- زيادة من ت ، ك ، أ ، ومسلم.
[13405]:- صحيح مسلم برقم (2907).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله } كالبيان لقوله : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره } ولذلك كرر { ولو كره المشركون } غير أنه وضع المشركون موضع الكافرون للدلالة على أنهم ضموا الكفر بالرسول إلى الشرك بالله ، والضمير في { ليظهره } للدين الحق ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم واللام في { الدين } للجنس أي على سائر الأديان فينسخها ، أو على أهلها فيخذلهم .