وقوله : { عِندَ سِدْرَةِ المنتهى } بيان للمكان الذى تمت عنده الرؤية الثانية .
والسدرة فى الأصل : تطلق على شجرة النَّبِق ، وهو ثمر معروف فى بلاد العرب .
والمنتهى : اسم مكان ، أو مصدر ميمى بمعنى الانتهاء . وإضافة السدرة إليه ، من باب إضافة الشىء إلى مكانه ، كما فى قولهم : أشجار البستان . أو من إضافة المحل إلى الحال ، كما فى قولك : كتاب الفقه أو النحو .
وسمى هذا المكان بسدرة المنتهى ، لانتهاء علوم الخلائق عنده ، وما وراءه لا يعلمه إلا الله - تعالى - .
أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : لما أسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى به إلى سدرة المنتهى ، وهى فى السماء السابعة وإليها ينتهى ما يعرج من الأرض فيقبض منها . وإليها ينتهى ما يهبط من فوقها فيقبض منها .
وقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } ، هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ، وكانت ليلة الإسراء . وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الإسراء بطرقها وألفاظها في أول سورة " سبحان " بما أغنى عن إعادته هاهنا ، وتقدم أن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، كان يثبت الرؤية ليلة الإسراء ، ويستشهد بهذه الآية . وتابعه جماعة من السلف والخلف ، وقد خالفه جماعات من الصحابة ، رضي الله عنهم ، والتابعين وغيرهم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بَهْدَلَة ، عن زر بن حُبَيْش ، عن ابن مسعود في هذه الآية : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل وله ستمائة جناح ، ينتثر من ريشه التهاويل : الدرّ والياقوت " {[27611]} . وهذا إسناد جيد قوي .
وقال أحمد أيضا : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا شريك ، عن جامع بن أبي راشد ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق : يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم " {[27612]} . إسناده حسن أيضا .
وقال أحمد أيضا : حدثنا زيد بن الحُبَاب ، حدثني حسين ، حدثني عاصم بن بَهْدَلَة قال : سمعت شَقِيق بن سلمة يقول : سمعت ابن مسعود يقول قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل على سدرة {[27613]} المنتهى وله ستمائة جناح " سألت عاصما عن الأجنحة فأبى أن يخبرني . قال : فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب {[27614]} . وهذا أيضا إسناد جيد .
وقال أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا حسين ، حدثني عاصم بن بَهْدَلَة{[27615]} ، حدثني{[27616]} شقيق{[27617]} قال :{[27618]} سمعت ابن مسعود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل ، عليه السلام ، في خُضر معلق به الدر {[27619]} " {[27620]} . إسناده جيد أيضا .
وقال الإمام أحمد : حدثني يحيى عن إسماعيل ، حدثنا عامر قال : أتى مسروقُ عائشة فقال : يا أم المؤمنين ، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله لقد قَفّ شعري لما قلت ، أين أنت من ثلاث من حَدّثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] ، { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [ الشورى : 51 ] ، ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } الآية [ لقمان : 34 ] ، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم{[27621]} ، فقد كذب ، ثم قرأت : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [ المائدة : 67 ] ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين {[27622]} .
وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة فقلت : أليس الله يقول : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } [ التكوير : 23 ] ، { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل {[27623]} رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : " إنما ذاك جبريل " . لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين ، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض ، سادًّا عُظْمُ خلقه ما بين السماء والأرض .
أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الشعبي ، به{[27624]} .
رواية أبي ذر ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . قال : وما كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله : هل رأى ربه ، عز وجل ؟ فقال : إني قد سألته فقال : " قد رأيته ، نورا أنى أراه " {[27625]} .
هكذا وقع في رواية الإمام أحمد ، وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين فقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وَكِيع ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه " .
وقال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . فقال : عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : قلت : كنت أسأله : هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألت فقال : " رأيت نورا " {[27626]} .
وقد حكى الخلال في " علله " أن الإمام أحمد سُئل عن هذا الحديث فقال : ما زلتُ منكرا له ، وما أدري ما وجهه {[27627]} .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، أخبرنا هُشَيْم ، عن منصور ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : رآه بقلبه ، ولم يره بعينه .
وحاول ابن خُزَيمة أن يدعي انقطاعه بين عبد الله بن شَقِيق وبين أبي ذر ، وأما ابن الجوزي فتأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء ، فأجابه بما أجابه به ، ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات . وهذا ضعيف جدا ، فإن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، قد سألت عن ذلك بعد الإسراء ، ولم يثبت لها الرؤية . ومن قال : إنه خاطبها على قدر عقلها ، أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه - كابن خُزيمة في كتاب التوحيد{[27628]} - ، فإنه هو المخطئ ، والله أعلم .
وقال النسائي : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشام {[27629]} ، عن منصور ، عن الحكم ، عن يزيد بن شريك ، عن أبي ذر قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ، ولم يره ببصره {[27630]} .
وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن علي بن مُسْهِر ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال في قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } ، قال : رأى جبريل {[27631]} ، عليه السلام{[27632]} .
وقال مجاهد في قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته مرتين ، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس ، وغيرهم .
وقوله : عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى يقول تعالى ذكره : ولقد رآه عند سدرة المنتهى ، فعند من صلة قوله : رآهُ والسدرة : شجرة النبق . وقيل لها سدرة المنتهى في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل ، لأنه إليها ينتهي علم كلّ عالم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر ، قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار ، فقال له : حدثني عن قول الله : عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَها جَنّةُ المَأْوَى فقال كعب : إنها سدرة في أصل العرش ، إليها ينتهي علم كلّ عالم ، مَلك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، ما خلفها غيب ، لا يعلمه إلا الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال أخبرني جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف ، قال : سأل ابن عباس كعبا ، عن سدرة المنتهى وأنا حاضر ، فقال كعب : إنها سدرة على رؤوس حملة العرش ، وإليها ينتهي علم الخلائق ، ثم ليس لأحد وراءها علم ، ولذلك سميت سدرة المنتهى ، لانتهاء العلم إليها .
وقال آخرون : قيل لها سدرة المنتهى ، لأنها ينتهي ما يهبط من فوقها ، ويصعد من تحتها من أمر الله إليها . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا سهل بن عامر ، قال : حدثنا مالك ، عن الزّبير ، عن عديّ ، عن طلحة اليامي ، عن مرّة ، عن عبد الله ، قال : لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة ، إليها ينتهي من يعرج من الأرض أو من تحتها ، فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها ، فيقبض فيها .
حدثني جعفر بن محمد المروزي ، قال : حدثنا يعلى ، عن الأجلح ، قال : قلت للضحاك : لم تسمى سدرة المنتهى ؟ قال : لأنه ينتهي إليها كلّ شيء من أمر الله لا يعدوها .
وقال آخرون : قيل لها : سِدْرة المنتهى ، لأنه ينتهي إليها كلّ من كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومِنهاجه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، قال : إليها ينتهي كلّ أحد ، خلا على سنة أحمد ، فلذلك سميت المنتهى .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هُريرة ، أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازيّ » قال : لما أُسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كلّ أحد خلا من أمتك على سنتك .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن معنى المنتهى الانتهاء ، فكأنه قيل : عند سدرة الانتهاء . وجائز أن يكون قيل لها سدرة المنتهى : لانتهاء علم كلّ عالم من الخلق إليها ، كما قال كعب . وجائز أن يكون قيل ذلك لها ، لانتهاء ما يصعد من تحتها ، وينزل من فوقها إليها ، كما رُوي عن عبد الله . وجائز أن يكون قيل ذلك كذلك لانتهاء كلّ من خلا من الناس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها . وجائز أن يكون قيل لها ذلك لجميع ذلك ، ولا خبر يقطع العذر بأنه قيل ذلك لها لبعض ذلك دون بعض ، فلا قول فيه أصحّ من القول الذي قال ربنا جلّ جلاله ، وهو أنها سدرة المنتهى .
وبالذي قلنا في أنها شجرة النبق تتابعت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أهل العلم . ذكر ما في ذلك من الاَثار ، وقول أهل العلم :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ فإذَا نَبْقُها مِثْلُ الجِرَارِ ، وَإذَا وَرَقُها مِثْل آذَانِ الفِيلَةِ فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها ، تَحَوّلَتْ ياقُوتا وَزُمُرّدا وَنَحْوَ ذلكَ » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عَدِيّ ، عن سعيد عن قتادة ، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه قال : قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «لَمّا انْتَهَيْتُ إلى السّماءِ السّابِعَةِ أتَيْتُ عَلى إبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ : يا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا ؟ قال : هَذَا أبُوكَ إبْرَاهِيمُ ، فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقالَ : مَرْحَبا بالابْنِ الصّالِحِ والنّبِيّ الصّالِح ، قال : ثُمّ رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهَى فحدّث نبيّ الله أنّ نبقها مثل قلال هجر ، وأن ورقها مثل آذان الفِيلة » .
وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، قال : حدثنا أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، فذكر نحوه .
حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج ، قال : حدثنا الفضل بن عنبسة ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُنانيّ ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رَكِبْتُ البُرَاقَ ثُمّ ذُهِبَ بِي إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، فإذَا وَرقُها كآذَانِ الفِيَلَةِ ، وَإَذَا ثَمَرُها كالقِلالِ » قال : «فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها تَغَيّرَتْ ، فَمَا أحَدٌ يَسْتَطِيعُ أنْ يَصِفَها مِنْ حُسْنِها » ، قال : «فأَوْحَى اللّهُ إليّ ما أوْحَى » .
حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال حدثنا سليمان بن المُغيرة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عَرَجَ بِي المَلَكُ » قال : «ثُمّ انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ وأنا أعْرِفُ أنها سِدْرَةٌ ، أعْرِفُ وَرَقَها وَثَمَرها » قال : «فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها تَحَوّلَتْ حتى ما يسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَصِفَها » .
حدثنا محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا يونس بن إسماعيل ، قال : حدثنا سليمان ، عن ثابت ، عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، إلا أنه قال : «حتى ما أسْتَطيعُ أنْ أصِفَها » .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازيّ » قال : لما أُسريَ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كلّ أحد خلا من أمتك على سنتك ، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذّة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها ، والورقة منها تغطي الأمة كلها .
وحدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل الحضرميّ ، عن الحسن العرنيّ ، أراه عن الهذيل بن شرحبيل ، عن ابن مسعود سدْرَةِ المُنْتَهَى قال : من صُبْر الجنة عليها أو عليه فضول السندس والإستبرق ، أو جعل عليها فضول .
وحدثنا به ابن حُمَيد مرّة أخرى ، عن مهران ، فقال عن الحسن العُرنيّ ، عن الهذيل ، عن ابن مسعود «ولم يشكّ فيه » ، وزاد فيه : قال صبر الجنة : يعني وسطها وقال أيضا : عليها فضول السندس والإستبرق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن الهذيل بن شرحبيل ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : سِدْرَةِ المُنْتَهَى قال : صبر الجنة عليها السندس والإستبرق .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر سدرة المنتهى ، فقال : «يَسِيرُ فِي ظِلّ الْفَنَنِ مِنْها مِئَةُ رَاكِبٍ » ، أو قال : «يَسْتَظِلّ فِي الفَننِ مِنْها مِئَةُ رَاكِبٍ » ، «شكّ يحيى » «فِيها فَرَاشُ الذّهَبِ ، كأنّ ثَمَرها القِلالُ » .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن سدرة المنتهى ، قال : السدرة : شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ، وإن ورقة منها غَشّت الأمّةَ كلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «رُفِعَتْ لي سِدْرَةٌ مُنْتَهاها فِي السّماءِ السّابِعَةِ ، نَبْقُها مِثْلُ قِلالِ هَجَرٍ ، وَوَرَقُها مِثْلُ آذانِ الفِيلَةِ ، يَخْرُجُ مِنْ ساقِها نَهْرَانِ ظاهِران ، وَنهْرانِ باطِنانِ » ، قال : «قُلْتُ لِجْبِريلَ ما هَذَان النّهْرَانِ أرْوَاحٌ » قال : أمّا النّهْرَانِ الباطِنانِ ، فَفِي الجَنّة ، وأمّا النّهْرَانِ الظّاهِرَانِ : فالنّيلُ والفُراتُ .
وقوله : { عند سدرة المنتهى } متعلق ب { رءاه } . وخُصت بالذكر رؤيته عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان بما حصل عنده من آيات ربه الكبرى ولأنها منتهى العروج في مراتب الكرامة .
و { سدرة المنتهى } : اسْم أطلقه القرآن على مكان علوي فوق السماء السابعة ، وقد ورد التصريح بها في حديث المعراج من الصحاح عن جمع من الصحابة .
ولعله شُبه ذلك المكان بالسدرة التي هي واحدة شجر السدر إما في صفة تفرعه ، وإما في كونه حداً انتهى إليه قرب النبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع لم يبلغه قبله ملَك . ولعله مبني على اصطلاح عندهم بأن يجعلوا في حدود البقاع سدراً .
وإضافة { سدرة } إلى { المنتهى } يجوز أن تكون إضافة بيانية . ويجوز كونها لتعريف السدرة بمكان ينتهي إليه لا يتجاوزه أحد لأن ما وراءه لا تطيقه المخلوقات .
والسدرة : واحدة السدر وهو شجر النبق قالوا : ويختص بثلاثة أوصاف : ظل مديد ، وطعم لذيذ ، ورائحة ذكية ، فجعلت السدرة مثلاً لذلك المكان كما جُعلت النخلة مثلاً للمؤمِن .
وفي قوله : { ما يغشى } إبهام للتفخيم الإجمالي وأنه تضيق عنه عبارات الوصف في اللغة .