التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

وبعد أن بين - سبحان- أحوال المنافقين من سكان المدينة ، أتبع ذلك بالحديث عن المنافقين من الأعراب سكان البادية فقال - تعالى : { وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب . . . } .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب } قرأ الأعرج والضحاك المعذرون مخففا ، ورواها أبو كريب عن أبى بكر عن عاصم . . وهى من أعذر ، ومنه قد أعذر من أنذر ، أى : قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك ، وأما " المعذرون " بالتشديد - وهى قراءة الجمهور - ففيها قولان :

أحدهما : أنه يكون المحق ، فهو في المعنى المعتذر ، لأن له عذراً ، فيكون " المعذرون " على هذه أصله المعتذرون ، ثم أدغمت التاء في الذال . .

وثانيهما : أن المعذر قد يكون غير محق ، وهو الذي يعتذر ولا عذر له .

والمعنى ، أنهم اعتذروا بالكذب . .

قال الجوهرى : وكان ابن عباس يقول : لعن الله المعذرين ، كان الأمر عنده أن المعذر - بالتشديد - هو المظهر للعذر ، اعتلالاً من غير حقيقة له في العذر . .

ومن هذه الأقوال التي نقلناها عن القرطبى يتبين لنا أن من المفسرين من يرى أن المقصود من المعذرين : أصحاب الأعذار المقبولة .

وقد رجح الإِمام ابن كثير هذا الرأى فقال : بين الله - تعالى - حال ذوى الأعذار في ترك الجهاد ، وهم الذين جاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتذرون إليه ، ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة .

قال الضحاك عن ابن عباس : إنه كان يقرأ " وجاء المعذرون " - بالتخفيف ، ويقول : هم أهل العذر . . وهذا القول أظهر في معنى الآية ؛ لأنه - سبحانه - قال بعد هذا : { وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ } .

أى : لم يأتوا فيعتذروا . . .

وعلى هذا الرأى تكون الآية قد ذكرت قسمين من الأعراب : قسما جاء معتذرا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقسما لم يجئ ولم يعتذر ، وهذا القسم هو الذي توعده الله بسوء المصير .

ومنهم من يرى أن المقصود بالمعذرين : أصحاب الأعذار الباطلة ، وقد سار على هذا الرأى صاحب الكشاف فقال : " المعذرون " عن عذر في الأمر ، إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد فيهن وحقيقته أنه يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له .

أو المعتذرون بإدغام التاء في الذال ، وهم الذين يعتذرون بالباطل ، كقوله ، يعتذرن إليكم إذا رجعتم إليهم . .

وقرئ " المعذرون " بالتخفيف : وهو الذي يجتهد في العذر ويحتشد فيه . قيل هم أسد وغطفان . قالوا : إن لنا عيالا ، وإن بنا جهدا فائذن لنا في التخلف .

وقيل : " هم رهط عامر بن الطفيل . قالوا : إن غزونا معك أغارك أعراب طئ على أهالينا ومواشينا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - " سيغنين الله عنكم " وعن مجاهد : نفر من غفارا عتذروا فلم يعذرهم الله - تعالى - وعن قتادة : اعتذروا بالكذب .

.

وعلى هذا الرأى تكون الآية الكريمة قد ذكرت قسمين - أيضاً - من الأعراب ، إلا أن أولهما قد اعتذر بأعذار غير مقبولة ، وثانيهما لم يعتذر ، بل قعد في داره مصرا على كفره ، ولذا قال أبو عمرو بن العلاء : كلا الفريقين كان سيئا : قوم تكلفوا عذرا بالباطل وهم الذين عناهم الله - تعالى . بقوله { وَجَآءَ المعذرون } ، وقوم تخلفوا من غير عذر فقعدوا جرأة على الله وهم المنافقون ، فتوعدهم الله قوله : { سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

والذين يبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ؛ لتناسقه مع يفيده ظاهره الآية ، لأن الآية الكريمة ذكرت نوعين من الأعراب ، أحدهما : المعذرون .

أى أصحاب الأعذار ، وثانيهما : الذين قعدوا في بيوتهم مكذبين لله ولرسوله ، فتوعدهم - سبحانه - بالعذاب الأليم ، ولأنه لا توجد قريئة قوية تجعلنا نرجح أن المراد بالمعذرين هنا ، أصحاب الأعذار الباطلة ، لأن التفسير اللغوى للكلمة - كما نقلنا عن القرطبى - يجعلها صالحة للأعذار المقبولة ، فكان الحلم على حسن الظن أولى ، والله ، تعالى ، بعد ذلك هو العليم بأحوال العباد ، ما ظهر منها وما بطن .

وعلى هذا يكون معنى الآية الكريمة : وعندما استنفر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، الناس إلى غزة تبوك ، جاءه أصحاب الأعذار من الأعراب ليستأذنوه في عدم الخروج معه ، فقبل - صلى الله عليه وسلم ما هو حق منها .

وقوله : { وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ } بيان للفريق الثانى من الأعراب وهو الذي لم يجئ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم معتذرا .

أى : وقعد عن الخروج إلى تبوك ، وعن المجئ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للاعتذار ، أولئك الذين كذبوا الله ورسوله في دعوى الإِيمان ، وهم الراسخون في النفاق والعصيان من الأعراب سكان البادية .

وقوله : { سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وعيد لهم بسوء العاقبة في الدارين .

أي : سيصيب الذين أصروا على كفرهم ونفاقهم من هؤلاء الأعراب ، عذاب أليم في الدنيا والآخرة ، أما الذين رجعوا عن كفرهم ونفاقهم منهم ، وتابوا إلى الله - تعالى توبة صادقة ، فهؤلاء عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

ثم بَيَّن تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد ، الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، ويبينون له ما هم فيه من الضعف ، وعدم القدرة على الخروج ، وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة .

قال الضحاك ، عن ابن عباس : إنه كان يقرأ : " وَجَاءَ المُعْذَرُون " بالتخفيف ، ويقول : هم أهل العذر .

وكذا روى ابن عيينة ، عن حُمَيد ، عن مجاهد سواء .

قال ابن إسحاق : وبلغني أنهم نَفَر من بني غفار منهم : خُفاف بن إيماء بن رَحَضة .

وهذا القول هو الأظهر في معنى الآية ؛ لأنه قال بعد هذا : { وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : لم يأتوا فيعتذروا .

وقال ابن جُرَيْج عن مجاهد : { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ } قال : نفر من بني غفار ، جاءوا فاعتذروا فلم يُعذرْهم الله . وكذا قال الحسن ، وقتادة ، ومحمد بن إسحاق ، والقول الأول أظهر{[13771]} والله أعلم ، لما قدمنا من قوله بعده : { وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : وقعد آخرون من الأعراب عن المجيء للاعتذار ، ثم أوعدهم بالعذاب الأليم ، فقال : { سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }


[13771]:- في أ : "أولى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَآءَ الْمُعَذّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : وَجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المُعَذّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ ليُؤْذَنَ لَهُمْ في التخلف . وَقَعَدَ عن المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه الّذِينَ كَذّبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وقالوا الكذب ، واعتذروا بالباطل منهم . يقول تعالى ذكره : سيصيب الذين جحدوا توحيد الله ونبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم منهم عذاب أليم .

فإن قال قائل : فكيف قيل : وَجَاءَ المُعَذّرُونَ وقد علمت أن المعذّر في كلام العرب إنما هو الذي يُعَذّر في الأمر ، فلا يبالغ فيه ولا يُحكمه ، وليست هذه صفة هؤلاء ، وإنما صفتهم أنهم كانوا قد اجتهدوا في طلب ما ينهضون به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدوّهم ، وحرصوا على ذلك ، فلم يجدوا إليه سبيل ، فهم بأن يوصفوا بأنهم قد أعذروا أولى وأحقّ منهم بأن يوصفوا بأنهم عذروا . إذا وصفوا بذلك .

فالصواب في ذلك من القراءة ما قرأه ابن عباس ، وذلك ما :

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي حماد ، قال : حدثنا بشر بن عمار ، عن أبي روق عن الضحاك ، قال : كان ابن عباس يقرأ : وّجاء المُعْذِرُونَ مخففة ، ويقول : هم أهل العذر .

مع موافقة مجاهد إياه وغيره عليه ؟ قيل : إن معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه ، وإن معناه : وجاء المعتذرون من الأعراب ولكن التاء لما جاورت الذال أدغمت فيها ، فصُيرتا ذالاً مشددة لتقارب مخرج إحداهما من الأخرى ، كما قيل : يَذّكّرون في يتذكرون ، ويذّكر في يتذكر . وخرجت العين من المعذرين إلى الفتح ، لأن حركة التاء من المعتذرين وهي الفتحة نقلت إليها فحركت بما كانت به محركة ، والعرب قد توجه في معنى الاعتذار إلى الإعذار ، فتقول : قد اعتذر فلان في كذا ، يعني : أعذر ، ومن ذلك قول لبيد :

إلى الحَوْلِ ثُمّ اسْمُ السّلامِ عَلَيْكُما *** وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كامِلاً فقدِ اعْتَذَرْ

فقال : فقد اعتذر ، بمعنى : فقد أعذر .

على أن أهل التأويل ، قد اختلفوا في صفة هؤلاء القوم الذين وصفهم الله بأنهم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم معذّرين ، فقال بعضهم : كانوا كابين في اعتذارهم ، فلم يعذرهم الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، عن الحسين ، قال : كان قتادة يقرأ : وجَاءَ المُعَذّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ قال : اعتذروا بالكتب .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وجَاءَ المُعَذّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ قال نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا ، فلم يعذرهم الله .

فقد أخبر من ذكرنا من هؤلاء أن هؤلاء القوم إنما كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحقّ . فغير جائز أن يوصفوا بالإعذار إلا أن يوصفوا بأنهم أعذروا في الاعتذار بالباطل . فأما بالحقّ على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء ، فغير جائز أن يوصفوا به . وقد كان بعضهم يقول : إنما جاءوا معذرين غير جادّين ، يعرضون ما لا يريدون فعله . فمن وجهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك ، غير أني لا أعلم أحدا من أهل العلم بتأويل القرآن وجّه تأويله إلى ذلك ، فأستحبّ القول به .

وبعد ، فإن الذي عليه من القراءة قرّاء الأمصار التشديد في الذال ، أعني من قوله : المُعَذّرُونَ ففي ذلك دليل على صحة تأويل من تأوّله بمعنى الاعتذار لأن القوم الذين وصفوا بذلك لم يكلفوا أمرا عذروا فيه ، وإنما كانوا فرقتين إما مجتهد طائع وإما منافق فاسق لأمر الله مخالف ، فليس في الفريقين موصوف بالتعذير في الشخوص مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو معذر مبالغ ، أو معتذر . فإذا كان ذلك كذلك ، وكانت الحجة من القرّاء مجمعة على تشديد الذال من «المذرين » ، علم أن معناه ما وصفناه من التأويل . وقد ذكر عن مجاهد في ذلك موافقة ابن عباس .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن حميد ، قال : قرأ مجاهد : «وَجاءَ المُعْذِرُونَ » مخففة ، وقال : هم أهل العلم العذر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان المعذرون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

وقوله تعالى : { وجاء المعذرون من الأعراب } الآية ، اختلف المتألون في هؤلاء الذى جاءوا هل كانوا مؤمنين أو كافرين ، فقال ابن عباس وقوم معه منهم مجاهد : كانوا مؤمنين وكانت أعذارهم صادقة ، وقرأ «وجاء المعْذرون » بسكون العين ، وهي قراءة الضحاك وحميد الأعرج وأبي صالح وعيسى بن هلال . وقرأ بعض قائلي هذه المقالة «المعذّرون » بشد الذال ، قالوا وأصله المتعذرون فقلبت التاء ذالاً وأدغمت .

ويحتمل المعتذرون في هذا القول معنيين أحدهما المتعذرون بأعذار حق والآخر أن يكون الذين قد بلغوا عذرهم من الاجتهاد في طلب الغزو معك فلم يقدروا فيكون مثل قول لبيد :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** *** ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر{[5830]}

وقال قتادة وفرقة معه : بل الذين جاءوا كفرة وقولهم وعذرهم كذب ، وكل هذه الفرقة قرأ «المعذّرون » بشد الذال ، فمنهم من قال أصله المتعذرون نقلت حركة التاء إلى العين وأدغمت التاء في الذال ، والمعنى معتذرون بكذب ، ومنهم من قال هو من التعذير أي الذين يعذرون الغزو ويدفعون في وجه الشرع ، فالآية إلى آخرها في هذا القول إنما وصفت صنفاً واحداً في الكفر ينقسم إلى أعرابي وحضري ، وعلى القول الأول وصفت صنفين : مؤمناً وكافراً ، قال أبو حاتم : وقال بعضهم سألت مسلمة فقال «المعّذّرون » بشد العين والذال ، قال أبو حاتم : أراد المعتذرين والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج وهي غلط عنه أو عليه ، قال أبو عمرو : وقرأ سعيد بن جبير «المعتذرون » بزيادة تاء ، وقرأ الحسن بخلاف عنه وأبو عمرو ونافع والناس «كذَبوا » بتخفيف الذال ، وقرأ الحسن وهو المشهور عنه وأبي بن كعب ونوح وإسماعيل «كذّبوا » بتشديد الذال ، والمعنى لم يصدقوه تعالى ولا رسوله وردوا عليه أمره ، ثم توعد في آخر الآية الكافرين ب { عذاب أليم } ، فيحتمل أن يريد في الدنيا بالقتل والأسر .

ويحتمل أن يريد في الآخرة بالنار ، وقوله : { منهم } يريد أن المعذرين كانوا مؤمنين ويرجحه بعض الترجيح فتأمله{[5831]} ، وضعف الطبري قول من قال إن المعذرين من التعذير وأنحى عليه والقول منصوص ووجهه بين والله المعين ، وقال ابن إسحاق «المعذرون » نفر من بني غفار منهم خفاف بن إيماء بن رحضة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يقتضي أنهم مؤمنون .


[5830]:-هذا عجز البيت، وهو بتمامه: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر أي فعل ما في طاقته واستحق أن يقبل عذره، ولبيد في البيت يطلب إلى ابنتيه أن يبكيا عليه عاما واحدا، وبهذا يقبل عذرهما في عدم البكاء وبعده.
[5831]:- يميل أكثر المفسرين إلى أن المعتذرين كانوا مؤمنين، وهو رأي ابن عباس رضي الله عنهما، لأن التقسيم يقتضي ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم}؟ فلو كان الجميع كفارا لم يكن لوصف الذين قعدوا بالكذب اختصاص، وكان التركيب الصحيح: "سيصيبهم عذاب أليم".