التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِيرٖ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيمٞ} (72)

وهنا رد عليهم المؤذن ومن معه من حراس : { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك } أى : صاعه الذي يشرب فيه ، ويكتال به للممتارين .

{ وَلِمَن جَآءَ بِهِ } أى بهذا الصاع ، أو دل على سارقه .

{ حِمْلُ بَعِيرٍ } من الطعام زيادة على حقه كمكافأة له .

{ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } أى : وأنا بهذا الحمل كفيل بأن أدفعه لمن جاءنا بصواع الملك .

ويبدو أن القائل لهذا القول هو المؤذن السابق ، ولعله قد قال ذلك بتوجيه من يوسف - عليه السلام - .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِيرٖ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيمٞ} (72)

لما جهزهم وحَمَّل لهم أبعرتهم طعاما ، أمر بعض فتيانه أن يضع " السقاية " ، وهي : إناء من فضة في قول الأكثرين . وقيل : من ذهب - قاله ابن زيد - كان يشرب فيه ، ويكيل للناس به من عزَّة الطعام إذ ذاك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الرحمن بن زيد .

وقال شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { صُوَاعَ الْمَلِكِ } قال : كان من فضة يشربون فيه ، وكان مثل المكوك ، وكان للعباس مثلُه في الجاهلية ، فوضعها في متاع بنيامين من حيث لا يشعر أحد ، ثم نادى مناد بينهم : { أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } فالتفتوا إلى المنادي وقالوا : { مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ } أي : صاعه الذي يكيل به ، { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } وهذا من باب الجُعَالة ، { وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } وهذا من باب الضمان والكفالة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِيرٖ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيمٞ} (72)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : قال بنو يعقوب لما نودوا : أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم : ماذَا تَفْقِدُونَ ما الذي تفقدون ؟ قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ يقول : فقال لهم القوم : نفقد مَشْرَبَة الملك .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فذُكر عن أبي هريرة أنه قرأ : «صَاعَ المَلِكَ » بغير واو ، كأنه وجهه إلى الصاع الذي يكال به الطعام . ورُوي عن أبي رجاء أنه قرأه : «صَوْعَ المَلِكَ » . ورُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه : «صَوْغَ المَلِكَ » بالغين ، كأنه وجهه إلى أنه مصدر ، من قولهم صاغ يصوغ صَوْغا . وأما الذي عليه قرّاء الأمصار : فصواع الملك ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها . والصّواع : هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام ، وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذا الحرف : صُوَاعَ المَلِكِ قال : كهيئة المَكّوك . قال : وكان للعباس مثله في الجاهلية يشرب فيه .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : صُوَاعَ المَلِكِ قال : كان من فضة مثل المَكّوك . وكان للعباس منها واحد في الجاهلية .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع . قال : حدثنا أبي . عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ قال : كان من فضة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قرأ : صُوَاعَ المَلِكِ قال وكان إناءه الذي يشرب فيه ، وكان إلى الطول ما هو .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سويد بن عمرو ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : صُوَاعَ المَلِكِ قال : المَكّوك الفارسيّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : صُوَاعَ المَلِكِ قال : هو المَكّوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه ، كانت تشرب فيه الأعاجم .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : صُوَاعَ المَلِكِ قال : إناء الملك الذي كان يشرب فيه .

حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا يحيى : يعني ابن عباد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : قال : صُوَاعَ المَلِكِ : مَكّوك من فضة يشربون فيه . وكان للعباس واحد في الجاهلية .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : صُوَاع المَلِكِ : إناء الملك الذي يشرب فيه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : صُوَاعَ المَلِكِ قال : هو المَكّوك الفارسي الذي يلتقي طَرَفاه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الصواع : كان يشرب فيه يوسف .

حدثنا محمد بن معمر البحراني ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا صدقة بن عباد ، عن أبيه عن ابن عباس : صُوَاعَ المَلِكِ قال : كان من نُحاس .

وقوله : وَلِمَنْ جاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يقول : ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلِ بَعِيرٍ يقول : وِقْر بعير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : حِمْلُ بَعِيرٍ قال : حمل طعام وهي لغة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : حِمْلُ بَعِيرٍ قال : حمل طعام ، وهي لغة .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قوله حِمْلُ بَعِيرٍ قال : حمل حمار .

وقوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ يقول : وأنا بأن أوفيه حمل بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ يقول : كفيل .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ الزعيم : هو المؤذن الذي قال : أيّتُها العِيرُ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد الأحمر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن ورقاء بن إياس ، عن سعيد بن جبير : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال : كفيل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ : أي وأنا به كفيل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال : كفيل .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال كفيل .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، فذكر مثله .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال كفيل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال لهم الرسول : إنه من جاءنا به فله حمل بعير وأنا به كفيل بذلك حتى أؤدّيه إليه .

ومِن الزعيم الذي بمعنى الكفيل قول الشاعر :

فلَسْتُ بآمِرٍ فِيها بسَلْمٍ *** ولكِنّي على نَفْسِي زَعِيمُ

وأصل الزعيم في كلام العرب : القائم بأمر القوم ، وكذلك الكفيل والحَمِيل ، ولذلك قيل : رئيس القوم زعيمهم ومدبرهم ، يقال منه : قد زَعُم فلان زَعامة وزَعَاما ومنه قول ليلى الأخيلية :

حتى إذَا بَرَزَ اللّوَاءُ رأيْتَهُ *** تحتَ اللّوَاءِ على الخَمِيسِ زَعِيما

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِيرٖ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيمٞ} (72)

{ قالوا نفقد صواع الملك } وقرئ " صاع " و صوع بالفتح والضم والعين والغين و " صواغ " من الصياغة . { ولمن جاء به حمل بعير } من الطعام جعلا له . { وأنا به زعيم } كفيل أؤديه إلى من رده . وفيه دليل على جواز الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِيرٖ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيمٞ} (72)

جعلوا جعلا لمن يأتي بالصواع . والذي قال : { وأنا به زعيم } واحد من المقبلين وهو كبيرهم . والزعيم : الكفيل .

وهذه الآية قد جعلها الفقهاء أصلاً لمشروعية الجعل والكفالة . وفيه نظر ، لأن يوسف عليه السلام لم يكن يومئذٍ ذا شَرْع حتى يستأنس للأخذ ب ( أنّ شَرْعَ من قَبْلنا شَرْع لنا ) : إذا حكاه كلام الله أو رسوله . ولو قدّر أن يوسف عليه السلام كان يومئذٍ نبيئاً فلا يثبت أنه رسول بشرع ، إذ لم يثبت أنه بعث إلى قوم فرعون ، ولم يكن ليوسف عليه السلام أتباع في مصر قبْل ورود أبيه وإخوتهِ وأهلِيهم . فهذا مأخذ ضعيف .