قوله : { نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك } " الصَّواعُ هو المِكْيَال ، وهو السِّقاية المتقدِّمة سمَّاه تارة والسِّقايةُ : وصفٌ .
وقيل : " ذُكِّرَ ؛ لأَنَّه صاعٌ ، وأنْثَ لأنَّهُ سِقايَة .
والصّواع السّقاية : إناءٌ له رأسان في وسطه مقبض ، كان الملك يشربُ منه من الرَّأسِ الواحدة ويكالُ الطَّعام بالرَّأسِ الآخرِ .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كلُّ شيء يُشربُ به فهو صُواعٌ ؛ وأنشد : [ الخفيف ]
3124 نَشْرَبُ الخَمْرَ بالصُّواعِ جِهَاراً *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قيل : إنما كان الطعَّام بالصَّواع مبالغة في إكرامهم .
وقال مجاهدٌ ، وأبو صالح : الصُّواع الطرجهالة بلغة حميرٍ . وإنَّما اتخذ هذا الإناء مكيلاً لعزة ما يكال به في ذلك الوقت . وفيه قراءات كلُّها لغات في ذلك الحرف ، ويُذكِّر ، ويؤنَّث فالعامة : " صُوَاع " بزنة : " غُرَاب " ، العين مهملة ، وقرأ ابن جبير ، والحسن كذلك إلاَّ أنه بالغين المعجمة وقرأ يحيى بن يعمر كذلك ؛ إلا أنه حذف الألف ، وسكن الواو ، وقرأ زيد بن عليِّ " صَوْغ " كذلك إلا أنه فتح الصَّاد ، وجعله مصدراً ل : " صَاغَ " يَصُوغُ . والقراءتان [ قبله ] مشتقان منه وهو واقع موقع مفعول . أي : مصوغ الملك .
وقرأ أبو حميرة وابن جبير والحسن رضي الله عنهم في رواية عنهما " صِواعَ " كالعامة إلا أنهم كسروا الفاء . وقرأ أبو هريرة ومجاهد رضي الله عنهما : " صَاع " بزنة بَاب وألفه كألفه في كونها منقلبة عن واو مفتوحة وقرأ أبو رجاء : " صَوْع " بزنة " قَوْس " .
وقرأ عبدالله بن عون كذلك إلا أنه ضم الفاء فهذه ثمان قراءات متواترة وواحدة في الشاذ .
قوله : { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } أي من الطعام ، { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } .
قال مجاهد : الزعيم هو المؤذن الذي أذن ، والزعيم : الكفيل .
قال الكلبيُّ : الزَّعيمُ : هو الكفيل بلسانِ أهل اليمنِ .
روى أبو عبيدة عن الكسائيِّ : زعمْتُ بِهِ أزعُم زُعْماً وزَعَامَةً ، أي : تكفلت به .
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ الكفالة كانت صحيحة في شرعهم ، وقد حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " الزَّعيمُ غَارِمٌ " .
فإن قيل : هذه الكفالةُ شيءٌ مجهولٌ ؟ .
فالجواب : حمل البعير من الطَّعام كان معلوماً عندهم ، فصحت الكفالةُ به إلاَّ أن هذه الكفالة ما لرد السَّرقة ، وهي كفالةٌ بما لم يجب ؛ لأنَّه لا يحلُّ للسَّارقِ أن يأخذ شيئاً على ردّ السِّرقةِ ، ولعلّ مثل هذه الكفالة كانت تصحُّ عندهم .
قال القطربيُّ : " تجوز الكفالةُ عن الرِّجلُ ؛ لأنَّ المؤذن هو الضَّامنُ وهو غير يوسف صلوات الله وسلامه عليه .
قال علماؤنا : إذا قال الرجلُ : تحمَّلتُ ، أو [ تكفلت ] أو ضمِنتُ ، أو أنا حميلٌ لكل أو زعيمٌ ، أو كفيلٌ ، أو ضامنٌ ، أو قبيلٌ ، أو لك عندي ، أو علي ، أو إليّ ، أو قبلي ، فذلك كلُّه [ حَمالةٌ ] لازمةٌ .
واختلفوا فيمن تكفل بالنفس ، أو بالوجه هل يلزمه ضمانُ المالِ " .
فقال الشافعيُّ رضي الله عنه في المشهور عنه ، وأحمد : مَن تكفَّل بالنَّفس لم يلزمه الحقٌّ الذي على المطلوب إن ماتَ .
وقال مالكُ ، والليثُ ، والأوزاعيُّ : إذا تكفل نفسه ، وعليه مال ، فإن لم يأت به غرم المال ، ويرجع به على المطلوب ، فإن اشترط ضمان نفسه ، أو وجهه ، وقال : لا أضمن المال ، فلا شيء عليه من المال " .
واختلفوا فيما إذا تكفَّل رجلٌ عن رجلٍ بمالٍ ، هل للطالب أن يأخذ من شاء منهما ؟ .
فقال الأوزاعيُّ ، والشافعيُّ ، وأحمد ، وإسحاق : يأخذ من شاء منهما ، وهذا كان قولم مالكٍ ، ثمُّ رجع عنه فقال : لا يأخذُ من الكفيل إلاَّ أن يفلس الغريمُ ، أو يغيبُ ؛ لأنَّ البداءة بالذي عليه الحق أولى إلاَّ أن يكون معدماً ، فإنَّه يأخذُ من الحميل ؛ لأنه معذورٌ في أخذه في هذه الحالةِ ، وهذا قولٌ حسنٌ ، والقياسُ : أنَّ للرَّجُلِ مطالبة من شاء منهما .
وقال ابنُ أبي ليلى : إذا ضمن الرَّجلُ عن صاحبه مالاً ؛ تحوَّل على الكفيل ، وبرىء الأصيل ، إلاَّ أن يشترط المكفول له عليهما أن يأخذ من أيهما شاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.