التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

{ لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض } أى : له وحده مفاتيح خزائنهما ، والمقاليد جمع مقلاد ، أو اسم جمع ولا واحد له من لفظه ، مأخوذ من التقليد بمعنى الإِلتزام . أى : أنه لا يملك أمر السموات والأرض ، ولا يتمكن من التصرف فيهما غيره - تعالى - .

قال صاحب الكشاف : قوله : { لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض } : أى : هو مالك أمرهما وحافظهما ؛ لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها ، هو الذى يملك مقاليدها ، ومنه قولهم : فلان ألقيت إليه مقاليد الملك ، وهى المفاتيح ، ولا واحد لها من لفظها وقيل : جمع مقليد . . والكلمة أصلها فارسية .

فإن قلت : ما للكتاب العربى المبين وللفارسية ؟

قلت : التعريب أحالها عربية ، كما أخرج الاستعمال المهمل عن كونه مهملا ،

ثم بين - سبحانه - مصير الكافرين فقال : { والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله أولئك هُمُ الخاسرون } أى : والذين كفروا بآيات الله التنزيلية والكونية الدالة على وحدانية ، أولئك هم البالغون أقصى الدرجات فى الخسران .

وهذه الآية الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا } وما بينهما اعتراض للدلالة على هيمنة الله - تعالى - على شئون خلقه . . أى : وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم . . والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الكاملون فى الخسران .

وهذه المقابلة فيها ما فيها من تأكيد الثواب العظيم للمتقين ، والعقاب الأليم للكافرين

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

وقوله : { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } ، قال مجاهد : المقاليد هي : المفاتيح بالفارسية . وكذا قال قتادة ، وابن زيد ، وسفيان ابن عيينة .

وقال السدي : { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } أي : خزائن السموات والأرض .

والمعنى على كلا القولين : أن أزمَّة الأمور بيده ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ؛ ولهذا قال : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ } أي : حججه وبراهينه { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا غريبا جدًا - وفي صحته نظر - ولكن{[25245]} نذكره كما ذكره ، فإنه قال :

حدثنا يزيد{[25246]} بن سِنان البصري بمصر ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا الأغلب بن تميم ، عن مخلد بن هذيل العبدي ، عن عبد الرحمن المدني ، عن عبد الله بن عمر ، عن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير : { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } فقال : " ما سألني عنها أحد قبلك يا عثمان " ، قال : " تفسيرها : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله وبحمده ، أستغفر الله ، ولا قوة إلا بالله ، الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، بيده الخير ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، من قالها يا عثمان إذا أصبح عشر مرار أعطي خصالا ستا : أما أولاهن : فيحرس من إبليس وجنوده ، وأما الثانية : فيعطى قنطارا من الأجر ، وأما الثالثة : فترفع{[25247]} له درجة في الجنة ، وأما الرابعة : فيتزوج من الحور العين ، وأما الخامسة : فيحضره{[25248]} اثنا عشر ملكا ، وأما السادسة : فيعطى من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور . وله مع هذا يا عثمان من الأجر كمن حج وتقبلت حجته ، واعتمر فتقبلت عمرته ، فإن مات من يومه طبع بطابع الشهداء " .

ورواه أبو يعلى الموصلي من حديث يحيى بن حماد ، به مثله{[25249]} . وهو غريب ، وفيه نكارة شديدة ، والله أعلم .


[25245]:- في أ: "ولكن نحن".
[25246]:- في أ: "زيد".
[25247]:- في ت: "فيرفع".
[25248]:- في س: "فتحضره".
[25249]:- ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (73) من طريق أبي عن شجاع بن مخلد عن يحيى بن حماد به ، وقال الهيثمي في المجمع (10/115): "رواه أبو يعلى في الكبير ، وفيه الأغلب بن تميم ، وهو ضعيف".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { لّهُ مَقَالِيدُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : له مفاتيح خزائن السموات والأرض ، يفتح منها على من يشاء ، ويمسكها عمن أحب من خلقه واحدها : مقليد . وأما الإقليد : فواحد الأقاليد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مفاتيحها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ أي مفاتيح السموات والأرض .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : خزائن السموات والأرض .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : المقاليد : المفاتيح ، قال : له مفاتيح خزائن السموات والأرض .

وقوله : وَالّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّهِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ يقول تعالى ذكره : والذين كفروا بحجج الله فكذبوا بها وأنكروها ، أولئك هم المغبونون حظوظهم من خير السموات التي بيده مفاتيحها ، لأنهم حرموا ذلك كله في الاَخرة بخلودهم في النار ، وفي الدنيا بخذلانهم عن الإيمان بالله عزّ وجلّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

{ له مقاليد السموات والأرض } لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره ، وهو كنايه عن قدرته وحفظه لها وفيها مزيد دلالة على الاختصاص ، لأن الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها إلا من بيده مفاتيحها ، وهو جمع مقليد أو مقلاد من قلدته إذا ألزمته ، وقيل جمع إقليد معرب إكليد على الشذوذ كمذاكير . وعن عثمان رضي الله عنه : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد فقال " تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير " والمعنى على هذا إن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد ، وهي مفاتيح خير السموات والأرض من تكلم بها أصابه . { والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون } متصل بقوله { وينجي الله الذين اتقوا } وما بينهما اعتراض للدلالة على أنه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها ، وتغيير النظم للإشعار بأن العمدة في فلاح المؤمنين فضل الله وفي هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم ، وللتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية للكرم أو بما يليه ، والمراد بآيات الله دلائل قدرته واستبداده بأمر السموات والأرض ، أو كلمات توحيده وتمجيده وتخصيص الخسار بهم لأن غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

وقال عثمان رضي الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { مقاليد السماوات والأرض } فقال : «لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول لا قوة إلا بالله ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير »{[9928]} .


[9928]:أخرجه أبو يعلى، ويوسف القاضي في سننه، وأبو الحسن القطان في المطولات، وابن السني في عمل يوم وليلة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى:{له مقاليد السماوات}،قال: لا إله إلا الله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يا عثمان، من قالها كل يوم مائة مرة أعطي بها عشر خصال، أما أولها فيغفر له ما تقدم من ذنبه، وأما الثانية فيكتب له براءة من النار، وأما الثالثة فيوكل به ملكان يحفظانه في ليله ونهاره من الآفات والعاهات، وأما الرابعة فيعطى قنطارا من الأجر، وأما الخامسة فيكون له أجر من أعتق مائة رقبة محررة من ولد إسماعيل، وأما السادسة فيزوج من الحور العين، وأما السابعة فيحرس من إبليس وجنوده، وأما الثامنة فيعقد على رأسه تاج الوقار، وأما التاسعة فيكون مع إبراهيم، وأما العاشرة فيشفع في سبعين رجلا من أهل بيته، يا عثمان إن استطعت فلا تفوتك يوما من الدهر، تفز بها مع الفائزين، وتسبق بها الأولين والآخرين.(الدر المنثور). هذا والحديث مروي من طرق كثيرة، فقد أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس، وأخرجه الحارث بن أبي أسامة، وابن مردويه عن أبي هريرة، وأخرجه العقيلي، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر، مع اختلاف في بعض الألفاظ، وفي زيادة بعض الجمل أو نقصها، وكل هذه الروايات ذكرها السيوطي في الدر المنثور.